كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 4)

فأفرجوا له، فجاء حتّى أكبّ عليه ومسّه فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: 30] .
ثمّ قالوا: يا صاحب رسول الله؛ أقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، فعلموا أن قد صدق.
رضي الله تعالى عنه فلم يكلّم النّاس، لأنّ المراد لم يكلّمهم بغير هذه الكلمة.
(فأفرجوا له) ؛ أي: انكشفوا عن طريقه (فجاء حتّى أكبّ عليه) فوجده مسجّى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه الشّريف. (ومسّه) أي: قبّله بين عينيه، ثمّ بكى، وقال: بأبي أنت وأمّي؛ لا يجمع الله عليك موتتين، أمّا الموتة الّتي كتبت عليك فقد متّها؛ كذا في البخاريّ. وقصد بذلك الردّ على عمر فيما قال، إذ يلزم منه أنّه إذا جاء أجله يموت موتة أخرى، وهو أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعها على الّذين خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ [243/ البقرة] .
(فقال) ؛ أي: قرأ استدلالا على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
(30) [الزمر] يعني: قد أخبر الله عنك في كتابه: أنّك ستموت، وأنّ أعداءك أيضا سيموتون، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) [الزمر] فقوله حقّ، ووعده صدق فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ [32/ الزمر] وقد قال المفسرون- في قوله تعالى وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) [الزمر] : - إنّ الجائي بالصّدق هو النّبيّ صلى الله عليه وسلم، والمصدّق أبو بكر، ولذا سمّي ب «الصّدّيق» رضي الله تعالى عنه.
(ثمّ قالوا: يا صاحب رسول الله؛ أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم!! قال: نعم.
فعلموا أن) ؛ أي: أنّه (قد صدق) في إخباره بموته، لاستدلاله بالآية الّتي ذكرها، لما عنده من نور اليقين.

الصفحة 228