كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 4)

ثمّ أمرهم أن يغسّله بنو أبيه.
واجتمع المهاجرون يتشاورون، ...
(ثمّ أمرهم أن يغسّله بنو أبيه) ؛ أي: أمر النّاس أن يمكّنوا بني أبيه من غسله، ولا ينازعوهم فيه، ولذلك لم يقل: أمر بني أبيه أن يغسّلوه، مع أنّه الظّاهر؟ لأنّ المأمور بالغسل هم؛ لا النّاس.
ومراده: ب «بني أبيه» : عصبته من النّسب، فغسّله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، لخبر ابن سعد والبزّار والبيهقيّ وابن الجوزي في «الواهيات» ؛ عن عليّ قال: أوصاني النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألايغسّله أحد غيري، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه» . زاد «ابن سعد» : قال عليّ: فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء السّتر- وهما معصوبا العين- قال عليّ: فما تناولت عضوا، إلا كأنّما يقلّبه معي ثلاثون رجلا، حتّى فرغت من غسله.
وكان العبّاس وابنه الفضل يعينانه، وقثم وأسامة وشقران «مولاه صلى الله عليه وسلم» يصبّون الماء وأعينهم معصوبة من وراء السّتر.
(واجتمع المهاجرون يتشاورون) في أمر الخلافة، والواو لمطلق الجمع، لأنّ القضيّة واقعة قبل الدّفن، فقد ذكر الطبريّ «1» في «الرّياض النّضرة» : أنّ الصّحابة أجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النّبوة من واجبات الأحكام، بل جعلوه أهمّ الواجبات، حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وواجب نصب إمام عدل ... بالشّرع فاعلم؛ لا بحكم العقل
واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع.
ولتلك الأهميّة لمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر خطيبا؛ فقال: يا أيّها
__________
(1) هو المحب الطبري من علماء القرن السابع الهجري، لا المؤرخ المفسر المحدث المشهور. وقد تقدمت ترجمته مع شيء عن عائلته في الجزء الثاني.

الصفحة 231