كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 4)

علينا، وأرضنا وارض عنّا» . (ت، ك؛ عن عمر) .
(علينا) غيرنا، فتعزّه وتذلنا، يعني: لا تغلب علينا أعداءنا.
(وأرضنا) بما قضيت لنا؛ أو علينا؛ بإعطاء الصبر والتحمّل، والقنع بما قسمت لنا من الرزق، وذلك أنّ الله سبحانه دبّر لعبده- قبل أن يخلقه- شأنه من الرزق، والأحوال، والآثار، وكلّ ذلك مقدر مؤقّت، يبرزه له في وقته كما قدّره، والعبد ذو شهوات، وقد اعتادها وتخلّق بها، ودبّر الله لعبده غير ما تخلّق به من الشهوات، فمرّة سقم؛ ومرّة صحّة، ومرّة غنى؛ ومرّة فقر، وعسر وذلّ، ومكروه ومحبوب، فأحوال الدنيا تتداوله لا ينفك عن قضائه.
والعبد يريد ما وافقه واشتهاه، وتدبير الله فيه غير ذلك، فإذا رزق العبد الرضا بالقضاء استقام قلبه؛ فترك جميع إرادته لمشيئة الله تعالى؛ ينتظر ما يبرز له من تدبيره في جميع أحواله، فيتلقّاه بانشراح صدر وطيب نفس؛ فيصير راضيا مرضيّا، والمصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من رزق الرضا، وليس للشهوات ولا للشيطان عليه سبيل، وإنّما ذكر ذلك على طريق الإرشاد والتعليم للأمة.
(وارض عنّا» ) بما نقيم من الطاعة القليلة التي هي جهدنا.
قال الراغب: منزلة الرضى أشرف المنازل بعد النّبوّة، فمن رضي عن الله فقد رضي الله عنه، لقوله تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [119/ المائدة] . فجعل أحد الرضاءين مقرونا بالآخر، فمن بلغ هذه المنزلة فقد عرف خساسة الدنيا، واطلع على جنة المأوى، وخطب مودّة الملأ الأعلى، وحظي بتحيّتهم المعنيّة بقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) [الرعد] .
(ت، ك) ؛ أي: أخرجه الترمذيّ، والحاكم في «الدعاء» ؛
(عن عمر) بن الخطّاب، أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فمكثنا ساعة، فسرّي عنه؛ فاستقبل القبلة ورفع يديه.... فذكره، وصحّحه الحاكم.

الصفحة 499