كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 4)

معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدّنيا، ...
معاصيك) ، لأنّ القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي، وبقدر قلّة الخوف يكون الهجوم على المعاصي، فإذا قلّ الخوف جدّا؛ واستولت الغافلة؛ كان ذلك من علامة الشقاء، ومن ثمّ قالوا: المعاصي بريد الكفر؛ كما أنّ القبلة بريد الجماع، والغناء بريد الزّنا، والنّظر بريد العشق، والمرض بريد الموت، وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرّة بالعقل والبدن؛ والدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلّا الله.
(ومن طاعتك ما تبلّغنا) - بتشديد اللّام المكسورة، ويجوز تخفيفها- أي:
توصلنا (به جنّتك) ؛ أي: مع شمولنا برحمتك، إذ ليست الطاعة وحدها مبلّغة، بدليل خبر: «لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله» ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟!! قال: «ولا أنا؛ إلّا أن يتغمّدني الله برحمته» .
(ومن اليقين) ؛ أي: وارزقنا من اليقين بك، ونفوذ قضائك، وأنّه لا رادّ له، وبأنّه لا يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا، وبأنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا؛ وما أصابنا لم يكن ليخطئنا.
(ما تهوّن) - بكسر الواو المشدّدة وبالتحتيّة والفوقيّة- قال ابن الجزري: رواية «ما تهوّن علينا» بحذف «به» يقتضي أن يكون بالتّحتيّة، وإثباته يقتضي أن يكون بالفوقيّة!! انتهى.
أي: يسهّل ويخفّف (به علينا مصائب الدّنيا) بأن نعلم أنّ ما قدّرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب منفعة، وأنّك لا تفعل بالعبد شيئا؛ إلّا وفيه صلاحه، وذلك كموت الولد، فيلاحظ أنّ هذه المصيبة في طيّها رفع درجات، وتكفير سيّئات، ويتيقّن أنّها بإرادته تعالى، فهذا شأن الكاملين. وقوله:
«مصائب» - بالنصب- وقد يرفع على أنّ «يهون» - بفتح أوّله وضمّ الهاء-:
مضارع هان؛ بالتحتيّة والفوقيّة. والله أعلم.

الصفحة 503