كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 4)

ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا، ...
(ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا) ، لأنّها طرائق الدلائل الموصلة لمعرفة الله تعالى وتوحيده؛ من البراهين المأخوذة، إمّا من الآيات المنزّلة؛ وطريق ذلك السمع، أو من الآيات في الآفاق والأنفس؛ وطريق ذلك البصر.
(وقوّتنا) ؛ أي: قوّة قلبنا الذي عليه مدار إيماننا، أو المراد: قوّة سائر قوانا؛ من الحواسّ الظاهرة والباطنة، وباقي الأعضاء البدنيّة.
(ما أحييتنا) ؛ أي: متّعنا بذلك مدّة حياتنا، (واجعله) ؛ أي: المذكور من السمع والبصر والقوّة. أو الضمير للتّمتّع؛ المأخوذ من: «متّعنا» - على حدّ قوله اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [8/ المائدة] . (الوارث منّا) ، ومعنى وراثتها: لزومها له عند موته لزوم الوارث له؛ قاله المناوي. وقد تقدّم الكلام عليه.
(واجعل ثأرنا) - بالمثلّثة- أي: انتقامنا ونصرنا مقصورا (على من ظلمنا) ، ولا تجعلنا ممّن تعدّى في طلب ثأره، وأخذ به غير الجاني، كما كان أهل الجاهليّة يفعله، وكما يفعله الآن القبائل أهل البوادي؛ من قتل غير القاتل، بل ولو كان الآخذ بالثأر من غير أولياء الدم. أو المراد: اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك ثأرنا، وأصل الثأر: الحقد والغضب، ثمّ استعير لمطالبة دم القتيل.
(وانصرنا على من عادانا) ؛ أي: ظفّرنا عليه وانتقم منه، وهو تعميم بعد تخصيص. (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) ؛ أي: لا تصيبنا بما ينقص ديننا؛ من أكل الحرام، واعتقاد السوء، والفترة في العبادة، والغافلة عن الطاعة.
(ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا) ، الهمّ: المقصد والحزن؛ أي: لا تجعل أكبر قصدنا أو حزننا لأجل الدنيا، فإنّ ذلك سبب الهلاك، بل اجعله مصروفا في عمل الآخرة. وأشار ب «أكبر» أنّ القليل من الهمّ ممّا لا بدّ منه في أمر المعاش له ولعياله

الصفحة 504