كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 4)

قال: الجبان يحب نفسه فيحجم، والشجاع يحب نفسه فيقدم؛ هذا يطلب بقاءها وذلك يطلب مدحها. ثم فسر البيت الذي يليه وهو: الطويل
ويَخْتَلِفُ الرِّزقانِ والفِعلُ واحِدٌ ... إلى أنْ تَرَى إحسَانَ هذَا لِذَا ذَنْبَا
فقال: يتفق اثنان في فعل واحد يرزق منه أحدهما ويحرم الآخر فيعد للمرزوق إحسانا وللمحروم ذنبا.
وأقول: إن تفسير البيت الثاني ينبغي أن يكون مطابقا للبيت الأول لأنه كالمفسر له، وقد فسره على خلاف ذلك. ومطابقته له أن يقال في قوله:
ويَختلِفُ الرِّزْقانِ والفعل واحدٌ ... . . . . . .
أي: الجبان رزق بحبه نفسه الذم على جبنه، والشجاع رزق بحبه نفسه الحمد على شجاعته، فكلاهما محسن إلى نفسه، فاشتركا في الفعل، وهو حب النفس، واختلف الرزقان لأن هذا رزق الذم بفعله، وهذا رزق الحمد بفعله، وصار إحسان الجبان إلى نفسه بالاتقاء ذنبا للشجاع لو فعله.
وأما تفسير الشيخ للبيت الثاني فهو من قول القطامي: البسيط
والناسُ، مَنْ يَلْقَ خَيْراً قائلون لَهُ ... ما يَشْتَهي ولأمِّ المُخْطِئ الهَبَلُ
وقول الآخر: الطويل
فمن يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدِ النَّاسُ أمْرَهُ ... ومَنْ يَغْوِ لا يَِعْدَم على الغيِّ لائِمَا
أي: ومن يخب. وهذا معنى آخر ليس من الأول في شيء.

الصفحة 55