كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

والآيات الدالة على ذلك كثيرة، والأخبار بذلك على الإجمال متواترة معنى، وإن كان تفاصيلها آحادًا.
منها قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: ١٣ - ١٥] (١)، ومنها قوله: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
---------------
= التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة، وهي دار الثواب وهو قول الجمهور. وقال آخرون: هي جنة غيرها جعلها اللَّه له، وأسكنه إياها ليست جنة الخلد، وقد جعلها له ابتلاء ثم اختلفوا في مكانها على قولين:
الأول: أنها في السماء، لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن، والجبائي.
الثاني: أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها، وحمل الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة، كما في قوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: ٦١] واختاره أبو مسلم الأصبهاني، وأبو القاسم البلخي وهذا حكي عن أبي حنيفة، وأصحابه.
وذهب فريق إلى أن الكل ممكن، والأدلة متعارضة فوجب التوقف، وترك القطع بأي قول منها، واختاره ابن الخطيب.
وقد ذكر العلامة ابن القيم الأقوال، وأدلة كل قول، وما رد به على غيره بإسهاب مفيد في كتابه حادي الأرواح: ص/ ١٩ - ٣٤.
(١) وقد رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى كما في حديث أنس رضي اللَّه عنه في قصة الإسراء، وفي آخره: "ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألران لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، وإذ اترابها المسك".
راجع: صحيح مسلم: ١/ ١٠٣، وصحيح البخاري: ٤/ ٦٨.

الصفحة 346