كتاب شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (اسم الجزء: 4)

على الجملة الأولى، قال: بل يطالبه بإيراد الجملتين المذكورتين على حال، فلا يجد إلى ذلك سبيلاً، فأُوْرِدَ عليه قولُ الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 57] فقيل: إنه في معنى ما أنكرَهُ، وادَّعى أنه لا يوجد السبيل إليه، وذلك أن قوله: {وَالْكُفَّارَ} قرأه أبو عمرو، والكسائي بالجر عطفًا على {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}؛ أي: ومن الكفار، وقرأه الباقون من الأئمة السبعة {وَالْكُفَّارَ} بالنصب (¬1)، وانتصابُهُ بالعطف على ما عمل فيه العاملُ اللفظي، وهو قوله: {لَا تَتَّخِذُوا} دونَ موضع {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}.
قال الفَرَّاء في "معانيه": من نَصَبَها رَدَّها على {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ}؛ أي: ولا تتخذوا الكفارَ أولياء.
وقال الزجَّاجُ في "معانيه": النصبُ فيه على النَّسق على قوله: {لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} ولا تتخذوا الكفار أولياء (¬2).
فقد ثبتَ بقول إمام الكوفيين في النحو، وإمام البصريين فيه، العطفُ بلفظ النصب عقيبَ المجرور على منصوبٍ متقدِّم، وتركُ العطف على موضع الجار والمجرور، والله أعلم.

السادسة والستون بعد المئة: ادَّعى الشريفُ أنَّ العطف على الموضع مستحسنٌ في لغة العرب، جائزٌ؛ لا على سبيل الاتّساع
¬__________
(¬1) انظر: "إتحاف الفضلاء" للدمياطي (ص: 254).
(¬2) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (2/ 186).

الصفحة 583