كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

إلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ تَوَلَّاهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى مُعَادَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَارَبَتِهِ
قَوْله تَعَالَى وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ روى عن الحسن ومجاهد أنه من الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْيَهُودِ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِالنَّبِيِّ وَإِنْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَقِيلَ إنَّهُ أَرَادَ بِالنَّبِيِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِهِ إذْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ الْمُشْرِكِينَ
قَوْله تَعَالَى وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى الآية قال ابن عباس وسعيد بن جبير وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا أَسْلَمُوا وَقَالَ قَتَادَةُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ مُتَمَسِّكِينَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنُوا بِهِ وَمِنْ الْجُهَّالِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَدْحًا لِلنَّصَارَى وَإِخْبَارًا بِأَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ صِفَةُ قَوْمٍ قَدْ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَبِالرَّسُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ مِنْ إخْبَارِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ ذِي فِطْنَةٍ صَحِيحَةٍ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي مَقَالَتَيْ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّ مَقَالَةَ النَّصَارَى أَقْبَحُ وَأَشَدُّ اسْتِحَالَةً وَأَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ مَقَالَةِ الْيَهُودِ لِأَنَّ الْيَهُودَ تُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُشَبِّهَةٌ تُنْقِصُ مَا أَعْطَتْهُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ التَّوْحِيدِ بِالتَّشْبِيهِ.

بَابُ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَالطَّيِّبَاتُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى مَا يُسْتَلَذُّ وَيُشْتَهَى وبميل إليه القلب ويقع على الحال وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْآيَةِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا فَيَكُونَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ قَدْ حَرَّمْت هَذَا الطَّعَامَ عَلَى نَفْسِي فَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَكَلَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنْ يَغْصِبَ طَعَامَ غَيْرِهِ فَيَخْلِطَهُ بِطَعَامِهِ فَيُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَغْرَمَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَهُ
رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي إذَا أَكَلْت اللَّحْمَ انْتَشَرْت فَحَرَّمْته عَلَى نَفْسِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ
الْآيَةَ
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كَانَ ناس مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِتَرْكِ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ وَالِاخْتِصَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ

الصفحة 109