كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

مَسَاكِينَ
فَجَعَلَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أو نصف صاعا مِنْ بُرٍّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَقْدِيرِ الطَّعَامِ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَثَبَتَ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ مِثْلُهَا
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا
وَلَمَّا
ثَبَتَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ
كَانَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مِثْلَهَا لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِمَا مِنْ الطَّعَامِ وَإِذَا ثَبَتَ مِنْ التَّمْرِ صَاعٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهَا صَاعًا مِنْ التَّمْرِ أَوْجَبَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ قَوْله تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ لِأَهْلِ المدينة قوت وكان للكبير أكثر مما الصغير وَلِلْحُرِّ أَكْثَرُ مِمَّا لِلْمَمْلُوكِ فَنَزَلَتْ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ لَيْسَ بِأَفْضَلِهِ وَلَا بِأَخَسِّهِ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوْسَطُ فِي الْمِقْدَارِ لَا بِأَنْ يَكُونَ مَأْدُومًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَوْسَطُهُ الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَخَيْرُ مَا نُطْعِمُ أَهْلَنَا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَعَنْ عُبَيْدَةَ الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ وَالْخَلُّ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ أَفْضَلُهُ اللَّحْمُ وأوسطه السمن وأحسنه التمر مع الخبر روى عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمة ابن صَخْرٍ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الظِّهَارِ بِإِعْطَاءِ كُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
وَلَمْ يَأْمُرْهُ مَعَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ مِنْ الْإِدَامِ وَأَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِدَامِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ بَيْنَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي مِقْدَارِ الطَّعَامِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِدَامَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ الطَّعَامِ وَأَنَّ الأواسط الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْأَوْسَطُ فِي مِقْدَارِ الطَّعَامِ لَا فِي ضَمِّ الْإِدَامِ إلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْهُمْ فَيَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي جَوَازِ إعْطَاءِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَمِيعَ الطَّعَامِ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كُنَّا قَدْ خَصَّصْنَا الْحُكْمَ فِي بَعْضِ مَا انْتَظَمَهُ الِاسْمُ دُونَ بَعْضٍ لَا سِيَّمَا فِيمَنْ قَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِي فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَمَّا ذَكَرَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وقوله تعالى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً وَسَائِرُ الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهَا كَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قِيلَ لَهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ فِي

الصفحة 118