كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

مِنْ فَرْضِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَغَيْرُ جَائِزٍ وُقُوعُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ تَارَةً وَعَنْ الْوُضُوءِ أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ قَامَ مَقَامَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي أَوْجَبَ الْحَدَثُ غَسْلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ غَسْلَ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ مَعَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَخْلُ التَّيَمُّمُ مِنْ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ جَمِيعِهِ فَإِنْ قَامَ مَقَامَ مَا لَمْ يُغْسَلْ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ التَّيَمُّمُ إنَّمَا يَقَعُ طَهَارَةً عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَقُومَ مَقَامَ جَمِيعِهَا فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مُتَوَضِّئًا مُتَيَمِّمًا فِي الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ الْحَدَثَ زَائِلٌ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ التَّيَمُّمُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْوُجُوبِ وَعَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ عَلَيْهِ غَسْلَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ مَعَ ذَلِكَ لِهَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ فَيَكُونُ تَيَمُّمُهُ فِي هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ قَائِمًا مَقَامَهُمَا وَمَقَامَ الْعُضْوَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ أَلْزَمَهُ طَهَارَتَيْنِ فِي هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهَارَةٌ فِي الْعُضْوَيْنِ الْمَغْسُولَيْنِ وَهُوَ إذَا حَصَلَ طَهَارَةٌ لَمْ يُرْفَعْ الْحَدَثُ وَيَكُونُ حُكْمُ الْحَدَثِ بَاقِيًا مَعَ وُجُودِهِ فَكَيْف يَجُوزُ وُقُوعُهُ مَعَ عَدَمِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُك مثله إذا قلت فيما غسل بعض أعضائه لأنه ملزم التَّيَمُّمُ وَيَكُونُ ذَلِكَ طَهَارَةً لِجَمِيعِهِ قِيلَ لَهُ لَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالَهُ فَسَقَطَ حُكْمُهُ إنْ اسْتَعْمَلَهُ
وَأَنْتَ تُوجِبُ اسْتِعْمَالَهُ كَمَا نُوجِبُهُ لَوْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَوَضَّأَ وَأَكْمَلَ وُضُوءَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ التَّيَمُّمُ مَقَامَ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ فَقَدْ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ وَلَا يُنَافِي أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَهُوَ الَّذِي يَجِدُ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ قِيلَ لَهُ إنَّ طَهَارَتَهُ أَحَدُ هذين لإجماعهما وَلِذَلِكَ أَجَزْنَا لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ فَرْضُ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْمَفْرُوضُ أَحَدُهُمَا كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِيمَنْ نَسِيَ إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلَا يَدْرِي أَيَّهَا هِيَ يُصَلِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى الْيَقِينِ وَإِنَّمَا الذي عليه واحدة لا جميعها كذلك هاهنا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمَفْرُوضَ هُمَا جَمِيعًا فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ التَّيَمُّمُ بَدَلًا مِنْ الماء كالصوم بدلا من الرقبة لم يَجُزْ اجْتِمَاعُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ وَالصَّوْمِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَالْمَاءِ فَإِنْ قِيلَ الصَّغِيرَةُ قَدْ تجب عدتها بالشهور فإن حاضت قيل انْقِضَائِهَا وَجَبَ الْحَيْضُ وَكَذَلِكَ ذَاتُ الْحَيْضِ لَوْ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَةٍ ثُمَّ يَئِسَتْ وَجَبَتْ الشُّهُورُ مَعَ الحيضة المتقدمة

الصفحة 12