كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

الْمِثْلُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْقِيمَةِ وَعَلَى النَّظِيرِ مِنْ جِنْسِهِ وَعَلَى نَظِيرِهِ مِنْ النَّعَمِ وَوَجَدْنَا الْمِثْلَ الَّذِي يَجِبُ فِي الْأُصُولِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا مِنْ جِنْسِهِ كَمَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ حنطة فيلزمه أن مثلها وإما من قيمة كَمَنْ اسْتَهْلَكَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا وَالْمِثْلُ مِنْ غير جنسه ولا قيمة خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْمِثْلَ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ هُوَ الْقِيمَةُ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُتَشَابِهًا مُحْتَمِلًا لِلْمَعَانِي وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَلَمَّا كَانَ الْمِثْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ هُوَ الْقِيمَةُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ الْمَذْكُورُ لِلصَّيْدِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمِثْلَ فِي آية الاعتداء محكم متفق على معناه بين الفقهاء وهذا متشابه يجب رده إلى غيره فوجب أن يكون مردودا على ما اتفق عَلَى مَعْنَاهُ مِنْهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمِثْلَ اسْمٌ لِلْقِيمَةِ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلنَّظِيرِ مِنْ النَّعَمِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ اسْمًا لَهُ وَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ اسْمٌ لَهُ وَأَيْضًا قَدْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْقِيمَةَ مُرَادَةٌ بِهَذَا الْمِثْلِ فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ ثبت أن القيمة مرادة فهو بمنزلة لَوْ نَصَّ عَلَيْهَا فَلَا يَنْتَظِمُ النَّظِيرُ مِنْ النَّعَمِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْقِيمَةَ مُرَادَةٌ انْتَفَى النَّظِيرُ مِنْ النَّعَمِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَتِهِمَا جَمِيعًا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا مِنْ قِيمَةٍ أَوْ نَظِيرٍ مِنْ النَّعَمِ وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّ الْقِيمَةَ مُرَادَةٌ انْتَفَى غَيْرُهَا وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ قَوْله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ لَمَّا كَانَ عَامًا فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ وَفِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمِثْلُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْمَذْكُورِ
وَالْقِيمَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَى الْقِيمَةِ كَانَ الْمِثْلُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى النَّظِيرِ كَانَ خَاصًّا فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَحُكْمُ اللَّفْظِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى عُمُومِهِ مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ أَوْلَى وَمَنْ اعْتَبَرَ النَّظِيرَ جَعَلَ اللَّفْظَ خَاصًّا فِي بَعْضِ الْمَذْكُورِ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ اسْمُ الْمِثْلِ يَقَعُ عَلَى الْقِيمَةِ تَارَةً وَعَلَى النَّظِيرِ أُخْرَى فَمَنْ اسْتَعْمَلَهُمَا فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ عَلَى النَّظِيرِ وَفِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ عَلَى الْقِيمَةِ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْمِثْلِ عَلَى عُمُومِهِ إمَّا فِي الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْقِيمَةِ عَلَى الْخُصُوصِ وَفِي النظير على

الصفحة 135