كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

فإذا انضم إليه النسيان صار جَمِيعًا عُذْرًا فِي سُقُوطِهِ وَأَمَّا نِسْيَانُ الطَّهَارَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْضَمَّ إلَى النِّسْيَانِ فِي ذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ حَتَّى يَصِيرَ عذرا في سقوط هذه الفرائض وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّا جَعَلْنَا النِّسْيَانَ عُذْرًا فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَدَلٍ لَا فِي سُقُوطِ أَصْلِ الْفَرْضِ وَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْتهَا فِيهَا إسْقَاطُ الْفُرُوضِ لَا نَقْلُهَا إلَى أَبْدَالٍ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا فَإِنْ قِيلَ النَّاسِي لِلْمَاءِ فِي رَحْلِهِ هُوَ وَاجِدٌ لَهُ قِيلَ لَهُ لَيْسَ الْوُجُودُ هُوَ كَوْنُ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ دُونَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَالنَّاسِي أَبْعَدُ مِنْ الْوُجُودِ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى شَفِيرِ نَهْرٍ أَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالِكًا لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْوُجُودَ هُوَ إمْكَانُ التَّوَصُّلِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَاءَ لَوْ كَانَ فِي رَحْلِهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْوُجُودَ شَرْطُهُ مَا ذَكَرْنَا دُونَ الْمِلْكِ فَإِنْ قِيلَ مَا تَقُولُ لَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ فَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَصَلَّى فِيهِ هَلْ يُجْزِيهِ قِيلَ لَهُ لَا نَعْرِفُهَا مَحْفُوظَةً عَنْ أَصْحَابِنَا وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْزِي وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِيمَنْ نَسِيَ فِي رَحْلِهِ ثَوْبًا وَصَلَّى عُرْيَانًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِكِ الطَّلَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ هَلْ هُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَطْمَعْ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ مُخْبِرٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَيُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ طَمِعَ فِيهِ أَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِمَوْضِعِهِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ أَهْلِ رُفْقَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ أَتَاهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا مَعَهُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ أَصْحَابِهِ وَإِنَّمَا قَالُوا فِيمَنْ كَانَتْ حَالُهُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ فَإِنْ قَالُوا لَا يَكُونُ غَيْرَ وَاجِدٍ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ قِيلَ لَهُ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْوُجُودَ لَا يَقْتَضِي طَلَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأُطْلِقَ اسْمُ الْوُجُودِ عَلَى مَا لَمْ يَطْلُبُوهُ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ
وَيَكُونُ وَاجِدًا لَهَا وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَقَالَ فِي الرَّقَبَةِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ومعناه

الصفحة 14