كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

يَعْنِي الْأَرْضَ الْمَلْسَاءَ الَّتِي لَا شَيْءَ عَلَيْهَا
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً حُفَاةً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ
يَعْنِي الْأَرْضَ الْمُسْتَوِيَةَ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ كَقَوْلِهِ تعالى فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ مِنْهَا تُرَابٌ أَوْ لَا تُرَابَ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْآجُرَّ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَقَدْ انْتَقَلَ عَنْ طَبْعِ الْأَرْضِ بِالطَّبْخِ وَحَالَ عَنْ حَدِّ التُّرَابِ فَهُوَ كَالْمَاءِ الْمُنْتَقِلِ عَنْ حَالِهِ بِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّيَاحِينِ وَالْأَصْبَاغِ حَتَّى يَحُولَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَيَزُولُ عَنْهُ الِاسْمُ الْأَوَّلُ وَكَالزُّجَاجِ فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي ذَكَرْت لِغَلَبَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ حَتَّى أَزَالَ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ وَأَمَّا الْآجُرُّ فَلَا يُخَالِطُهُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِيهِ صَلَابَةٌ بِالْإِحْرَاقِ فهو كالحجر فلا يمتنع ذَلِكَ التَّيَمُّمَ بِهِ
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ فَتَيَمَّمَ بِهِ
وَرُوِيَ أَنَّهُ نَفَضَ يَدَيْهِ حِينَ وَضَعَهُمَا عَلَى التُّرَابِ وَأَنَّهُ نَفَخَهُمَا
فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَقْصَدَ فِيهِ وَضْعُ الْيَدِ على ما كان من الأرض على أنه يَحْصُلَ فِي يَدِهِ أَوْ وَجْهِهِ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْصَدُ أَنْ يَحْصُلَ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَأَمَرَ بِحَمْلِ التُّرَابِ عَلَى يَدِهِ وَمَسَحَ الْوَجْهَ بِهِ كَمَا أَمَرَ بِأَخْذِ الْمَاءِ لِلْغَسْلِ أَوْ لِلْمَسْحِ حَتَّى يَحْصُلَ فِي وَجْهِهِ فَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِأَخْذِ التُّرَابِ وَنَفَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَنَفَخَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصَدُ حُصُولَ التُّرَابِ فِي وَجْهِهِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ يَقْتَضِي حُصُولَ شَيْءٍ مِنْهُ فِي الْأَعْضَاءِ الْمَمْسُوحَةِ بِهِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا أَفَادَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ قَدْ تَكُونُ لِبَدْءِ الْغَايَةِ كَقَوْلِك خَرَجْت مِنْ الْكُوفَةِ وَهَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا لِيَكُنْ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ بِلَا فَاصِلٍ يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَبَيْنَ الْمَسْحِ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ النِّيَّةِ وَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهَا وَهُوَ كَقَوْلِك تَوَضَّأَ مِنْ النَّهْرِ يَعْنِي أَنَّ ابْتِدَاءَ أَخْذِهِ مِنْ النَّهْرِ إلَى أَنْ اتَّصَلَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ النَّهْرِ فِي إنَاءٍ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ النَّهْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قوله فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ بَعْضِهِ وَأَفَادَ بِهِ أَنَّ أَيَّ بَعْضٍ مِنْهُ مَسَحْتُمْ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّوْسِعَةِ وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَاللُّؤْلُؤُ وَنَحْوُهَا فَلَا يجوز التيمم لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هِيَ جَوَاهِرُ مَوْدُوعَةٌ فِيهَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنْ الرِّكَازِ هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ اللَّذَانِ خَلَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الأرض يوم

الصفحة 31