كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 4)

وَالْجِصِّ وَالزَّرْنِيخِ وَنَحْوِهِ وَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّيْرِ وَيُقْطَعُ فِي الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَمْرِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ سُرِقَ مِنْ حِرْزٍ إلَّا فِي السِّرْقِينِ وَالتُّرَابِ وَالطِّينِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُقْطَعُ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَلَا فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ وَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ فَفِيهِ الْقَطْعُ وَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ خَشَبَةً مُلْقَاةً فَبَلَغَ ثَمَنُهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَفِيهِ الْقَطْعُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا قَطْعَ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَلَا فِي الْجُمَّارِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ فَإِنْ أُحْرِزَ فَفِيهِ الْقَطْعُ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إذَا سَرَقَ الثَّمَرَ عَلَى شَجَرَةٍ فَهُوَ سَارِقٌ يُقْطَعُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَوَى مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ مَرْوَانَ أَرَادَ قَطْعَ يَدِ عبد وقد سرق وديا فقال رافع ابن خَدِيجٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لا قطع في ثمرة وَلَا كَثَرٍ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فَأَدْخَلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ وَبَيْنَ رَافِعٍ وَاسِعَ بْنَ حِبَّانَ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمَّةٍ لَهُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَدْخَلَ اللَّيْثُ بَيْنَهُمَا عَمَّةً لَهُ مَجْهُولَةً وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فَجَعَلَ الدَّرَاوَرْدِيُّ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَرَافِعِ أَبَا مَيْمُونَةَ فَإِنْ كَانَ وَاسِعُ بْنُ حِبَّانَ كُنْيَتُهُ أَبُو مَيْمُونَةَ فَقَدْ وَافَقَ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ تَلَقَّتْ هَذَا الْحَدِيثَ بالقبول وعملوا به فثبت حجته بقولهم له
كقوله لا وصية لوارث
واختلاف التابعين لَمَّا تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ ثَبَتَتْ حُجَّتُهُ وَلَزِمَ الْعَمَلُ بِهِ وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَعْنَى
قَوْلِهِ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ عَلَى كُلِّ ثَمَرٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي مَا يَبْقَى مِنْهُ وَمَا لَا يَبْقَى إلَّا أَنَّ الكل متفقون على الْقَطْعِ فِيمَا قَدْ اسْتَحْكَمَ وَلَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَخُصَّ مَا كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْعُمُومِ وَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي نَفْيِ الْقَطْعِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ
وَرَوَى الحسن عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا قَطْعَ فِي طَعَامٍ
وَذَلِكَ يَنْفِي الْقَطْعَ عَنْ جَمِيعِ الطَّعَامِ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ مَا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ بِدَلِيلٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمَنْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ أَنَّ نَفْيَهُ الْقَطْعَ عَنْ الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ لِأَجْلِ عَدَمِ الْحِرْزِ فَإِذَا أُحْرِزَ فَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ وَقَوْلُهُ وَلَا كَثَرٍ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَثَرَ قَدْ قِيلَ فيه وجهان أحدهما الجمار والآخر النخل الصِّغَارُ وَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا

الصفحة 75