كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 4)

في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الصحيحين حيث قال: إنّ قريشاً حديث عهد بجاهليّةٍ ومصيبة، وإنّي أردت أن أجيرهم وأتألفهم.
قلت: الأوّل هو المعتمد، وسيأتي ما يؤكّده. والذي رجّحه القرطبيّ جزم به الواقديّ، ولكنّه ليس بحجّةٍ إذا انفرد فكيف إذا خالف؟!.
وقيل: إنّما كان تصرّف في الغنيمة , لأنّ الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتّى وقعت الهزيمة على الكفّار , فردّ الله أمر الغنيمة لنبيّه. وهذا معنى القول السّابق بأنّه خاصّ بهذه الواقعة، واختار أبو عبيد أنّه كان من الخمس.
وقال ابن القيّم: اقتضت حكمة الله أنّ فتح مكّة كان سبباً لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه، فإن غلبهم دخلنا في دينه، وإن غلبوه كفونا أمره. فلمّا فتح الله عليه استمرّ بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهّبوا لحربه , وكان من الحكمة في ذلك أنّ يظهر أنّ الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله.
ثمّ لَمّا قدّر الله عليه من غلبته إيّاهم قدّر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم وقوّة عددهم ليتبيّن لهم أنّ النّصر الحقّ إنّما هو من عنده لا بقوّتهم، ولو قدّر أن لا يغلبوا الكفّار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرّأس متعاظماً، فقدّر هزيمتهم ثمّ أعقبهم النّصر ليدخلوا مكّة كما دخلها النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح متواضعاً متخشّعاً.

الصفحة 62