كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 4)

واقتضت حكمته أيضاً أنّ غنائم الكفّار لَمّا حصلت ثمّ قسّمت على من لَم يتمكّن الإيمان من قلبه لِمَا بقي فيه من الطّبع البشريّ في محبّة المال فقسمه فيهم لتطمئنّ قلوبهم وتجتمع على محبّته، لأنّها جبلت على حبّ من أحسن إليها. ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنّه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصوراً عليهم، بخلاف قسمته على المؤلفة , لأنّ فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلمّا كان ذلك العطاء سبباً لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدّخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة. ولذلك لَم يقسم فيهم من أموال أهل مكّة عند فتحها قليلاً ولا كثيراً مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه، فحرّك الله قلوب المشركين لغزوهم، فرأى كثيرهم أن يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين، ولو لَم يقذف الله في قلب رئيسهم أنّ سوقه معه هو الصّواب لكان الرّأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سبباً لتصييرهم غنيمة للمسلمين.
ثمّ اقتضت تلك الحكمة أن تُقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويُوكل من قلبه ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه. ثمّ كان من تمام التّأليف ردّ من سبي منهم إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكّة بما نالهم من النّصر والغنيمة عمّا حصل لهم من الكسر والرّعب فصرف عنهم شرّ من كان يجاورهم من أشدّ

الصفحة 63