كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 4)

أشجع: أتعلمون أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى له رجلٌ حمارَ وحشٍ وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم.
لكن يعارض هذا الظّاهر. ما أخرجه مسلم أيضاً من حديث طلحة , أنّه أهدي له لحم طير وهو محرم، فَوَقَفَ مَن أَكَلَه , وقال: أكلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله , وحديث عمير بن سلمة , أنّ البهزيّ أهدى للنّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ظبياً وهو محرم، فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرّفاق. أخرجه مالك وأصحاب السّنن وصحَّحه ابن خزيمة وغيره.
وبالجواز مطلقاً. قال الكوفيّون وطائفة من السّلف.
وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك , بأنّ أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثمّ يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرّدّ محمولة على ما صاده الحلال لأجل المُحرم.
قالوا: والسّبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصّعب , إنّ الصّيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلاَّ إذا كان محرماً، فبيّن الشّرط الأصليّ وسكت عمّا عداه فلم يدلّ على نفيه، وقد بيّنه في الأحاديث الأخر.
ويؤيّد هذا الجمع حديث جابر مرفوعاً: صيد البرّ لكم حلال ما لَم تصيدوه أو يصاد لكم. أخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ وابن خزيمة.
قلت: وقد تقدّم أنّ عند النّسائيّ من رواية صالح ابن كيسان: إنّا حرم لا نأكل الصّيد. فبيّن العلتين جميعاً.

الصفحة 694