كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 4)

بهذا الكلام تألّف الأنصار واستطابة نفوسهم والثّناء عليهم في دينهم حتّى رضي أن يكون واحداً منهم , لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان تقع على وجوه: منها الولادة، والبلاديّة، والاعتقاديّة، والصّناعيّة. ولا شكّ أنّه لَم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنّه ممتنع قطعاً. وأمّا الاعتقاديّ فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبق إلاَّ القسمان الأخيران، وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمراً واجباً، أي: لولا أنّ النّسبة الهجريّة لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
قال: ويحتمل أنّه لَمّا كانوا أخواله لكون أمّ عبد المطّلب منهم. أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة.
وقال ابن الجوزيّ: لَم يرد - صلى الله عليه وسلم - تغيّر نسبه ولا محو هجرته، وإنّما أراد أنّه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدّين، فالتّقدير لولا أنّ النّسبة إلى الهجرة نسبة دينيّة لا يسع تركها لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبيّ: معناه. لتسمّيت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصيّة الهجرة وتربيتها سبقت فمنعت من ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تتبدّل بغيرها.
وقيل: معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد.
وقيل: التّقدير. لولا أنّ ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار، ولَم يرد ظاهر النّسب أصلاً.

الصفحة 70