كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَتْ الْهِبَةُ الرَّهْنَ مَعَ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ لِأَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَاهَا لَذَهَبَ الْحَقُّ فِيهَا جُمْلَةً بِخِلَافِ الرَّهْنِ إذَا أَبْطَلْنَاهُ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ (أَوْ) أَعْسَرَ الرَّاهِنُ وَ (رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ) بِهِبَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذَا مُقْتَضَى الْعَطْفِ بِأَوْ لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِالْهِبَةِ صَحَّتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ أَيْسَرَ الرَّاهِنُ أَوْ أَعْسَرَ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ كَالْعَيْنِ وَالْعَرَضِ أَمْ لَا وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ وَهَبَهُ رَاهِنُهُ لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ قَبْضِ مُرْتَهِنِهِ لَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِبَتِهِ لَهُ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّاهِنَ مُوسِرٌ (قُضِيَ) عَلَيْهِ (بِفَكِّهِ) أَيْ الرَّهْنِ وَيَتَعَجَّلُ الدَّيْنُ (إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ) كَعَرَضٍ حَالٍّ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ يَدْفَعُ الرَّهْنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَحَلُّ الْقَضَاءِ بِالْفَكِّ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ وَهَبَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِفَكِّهِ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ وَيَبْقَى لِأَجَلِهِ إنْ حَلَفَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ كَعَرَضٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ (بَقِيَ) الرَّهْنُ (لِبَعْدِ الْأَجَلِ) وَلَمْ يُجْبَرْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ قَبْلَهُ وَلَا عَلَى قَبُولِ رَهْنٍ آخَرَ فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَضَى الدَّيْنَ أَخَذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ.

(بِصِيغَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ وَمُرَادُهُ بِهَا مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ صَرِيحًا كَ وَهَبْتُ وَمَلَّكْتُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (أَوْ مُفْهِمِهَا) أَيْ مُفْهِمِ مَعْنَاهَا مِنْ قَوْلٍ كَ خُذْ، أَوْ فِعْلٍ كَمَا بَالَغَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُفْهِمُ (بِفِعْلٍ) أَيْ مُتَلَبِّسًا بِهِ وَالْأَوْضَحُ حَذْفُ الْبَاءِ أَيْ مَعَ قَرِينَةٍ عَلَى التَّمْلِيكِ (كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ اخْتَصَّ الْوَلَدُ بِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّ التَّحْلِيَةَ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِمُجَرَّدِ الْإِمْتَاعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQرَهَنَ مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُرْتَهِنُ بِهِبَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ) أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ مَظِنَّةُ تَفْرِيطِهِ فِي قَبْضِهِ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِ قَبْلَ هِبَةِ الرَّاهِنِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَقَاءِ الدَّيْنِ بِلَا رَهْنٍ وَعَدَمِ تَعْجِيلِهِ هُوَ مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَيْضًا أَنَّهُ يُعَجَّلُ لَهُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ لَهُ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ ثِقَةٍ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: لَذَهَبَ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهَا جُمْلَةً. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّ الرَّاهِنَ مُوسِرٌ فَيُعَجِّلُ الدَّيْنَ أَوْ يَأْتِي بِرَهْنٍ ثِقَةٍ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ) أَيْ لِرِضَاهُ بِهِبَتِهِ وَبَقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ وَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا فَضَلَ مِنْ الرَّهْنِ فَضْلَةٌ زَائِدَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ التَّقْيِيدُ بِقَبْلِ الْقَبْضِ مُقْتَضَى الْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُقَيَّدِ بِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى الْعَطْفِ تَخْصِيصُ الرِّضَا بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَبَضَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ رَضِيَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ) أَيْ مِمَّا يُقْضَى بِتَعْجِيلِهِ وَقَوْلُهُ: كَالْعَيْنِ أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ وَقَوْلُهُ: وَالْعَرَضِ أَيْ إذَا كَانَ حَالًّا وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا أَيْ أَوْ كَانَ لَا يُقْضَى بِتَعْجِيلِهِ كَالْعَرَضِ الْمُؤَجَّلِ وَالطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ) أَيْ لِرِضَاهُ بِالْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُضِيَ بِفَكِّهِ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَمْ يَقْبِضْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الرَّاهِنِ مُوسِرًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِفَكِّهِ فَلَا يُقْضَى بِفَكِّهِ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَبْقَى لِأَجَلِهِ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَقَضَى دَيْنَهُ دَفَعَ الرَّهْنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ لِعُسْرٍ طَرَأَ لَهُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ فِي دَيْنِهِ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: لِبَعْدِ الْأَجَلِ) كَأَنَّهُ حَذَفَ الْمَوْصُولَ يَعْنِي لِمَا بَعْدَ الْأَجَلِ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46] أَيْ وَاَلَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكُمْ لِاخْتِلَافِ الْمُنَزَّلِ وَإِلَّا فَبَعْدُ لَا تُجَرُّ بِاللَّامِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَضَى الدَّيْنَ إلَخْ) فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ لِعُسْرٍ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ.

(قَوْلُهُ: بِصِيغَةٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ) أَيْ تَمْلِيكٌ مُصَاحِبٌ لِصِيغَةٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُفْهِمٍ مَعْنَاهَا) أَيْ دَالٍّ عَلَى مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ وَإِنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ الْمُضَافَ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ إنَّ الَّذِي يُفْهِمُ الصِّيغَةَ صِيغَةٌ أُخْرَى وَحِينَئِذٍ فَلَا تَتَأَتَّى الْمُبَالَغَةُ وَقَدْ يُقَالُ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِفْهَامِ الصِّيغَةِ إلَّا إفْهَامُ مَعْنَاهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) أَيْ كَتَحْلِيَةِ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ وَلَدَهُ مُطْلَقًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَانَتْ التَّحْلِيَةُ جَائِزَةً أَوْ مُحَرَّمَةً وَتَقْيِيدُ خش وعبق بِالصَّغِيرِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَالتَّحْلِيَةُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ وَالْمُرَادُ تَزْيِينُ وَلَدِهِ بِتَحْلِيَةٍ، أَوْ إلْبَاسِ ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ، أَوْ بِاشْتِرَاءِ دَابَّةٍ لَهُ يَرْكَبُهَا أَوْ اشْتِرَاءِ كُتُبٍ يُحَضِّرُ فِيهَا، أَوْ سِلَاحٍ يَحْتَرِسُ بِهِ، أَوْ يَتَزَيَّنُ بِهِ أَوْ يُقَاتِلُ بِهِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا قَالَ بْن وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ النِّكَاحُ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبِ فِيهِ إنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شَأْنُهُ أَنْ يُعَارَ فِيهِ ذَلِكَ، وَغَيْرُهُ وَصَرَّحُوا فِي النِّكَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ فِي الْأَبِ بِابْنَتِهِ الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ فَهُوَ مَحْمُولٌ فِيهَا عَلَى الْهِبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْلًى عَلَيْهَا وَإِلَّا كَانَتْ كَالْبِكْرِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُشْهِدْ بِمُجَرَّدِ الْإِمْتَاعِ) أَيْ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّ التَّحْلِيَةَ لِوَلَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِمْتَاعِ فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ فَلَا تَكُونُ التَّحْلِيَةُ حِينَئِذٍ هِبَةً

الصفحة 100