كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَلَا يَتَأَتَّى لِلْوَاهِبِ إخْدَامٌ وَلَا إعَارَةٌ.

(وَ) صَحَّ حَوْزُ (مُودَعٍ) بِالْفَتْحِ لِوَدِيعَةٍ وَهَبَهَا مَالِكُهَا لِغَيْرِهِ (إنْ عَلِمَ) بِالْهِبَةِ لِيَكُونَ حَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ حَافِظٌ لِلْوَاهِبِ وَبَعْدَهُ صَارَ حَافِظًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَغَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَشْتَرِطْ عِلْمَ الْمُودَعِ بَلْ قَالَ بِصِحَّةِ حَوْزِهِ مُطْلَقًا كَالْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَرُجِّحَ أَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ تَبْطُلْ.

(لَا) يَصِحُّ حَوْزُ (غَاصِبٍ) لِشَيْءٍ وَهَبَهُ مَالِكُهُ لِغَيْرِهِ عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَقْبِضْهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَلَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ لَجَازَ أَيْ إنْ رَضِيَ الْغَاصِبُ بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَصِيرُ كَالْمُودَعِ.

(وَ) لَا حَوْزُ (مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ) بِالْكَسْرِ فِيهِمَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ فَالرَّهْنُ لِوَرَثَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَفْتَكُّوهُ وَأَنْ يَتْرُكُوهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَكَذَا الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي نَظِيرِ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَلَيْسَتْ لَازِمَةً لِلْمُسْتَعِيرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلِذَا كَانَ حَوْزُهُ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَيْضًا يَدُ الْمُؤَجِّرِ جَائِلَةٌ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ بِقَبْضِ أُجْرَتِهِ وَلِذَا لَوْ وَهَبَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ صَحَّ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ جَوَلَانِ يَدِ الْوَاهِبِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَهَبَ) الْمُؤَجِّرُ (الْإِجَارَةَ) أَيْ الْأُجْرَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا وَأَمَّا لَوْ وَهَبَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَكُونُ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ.

(وَلَا إنْ رَجَعَتْ) الْهِبَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى وَاهِبِهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ حَوْزِهَا الْمَوْهُوبَ لَهُ (بِقُرْبٍ) مِنْ حَوْزِهِ بِأَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَنَةٍ فَلَا تَصِحَّ الْهِبَةُ بَلْ تَبْطُلَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِأَخْذِهَا بَلْ بِعَدَمِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ رُجُوعَهَا لَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ آجَرَهَا) الْمَوْهُوبُ لَهُ لِوَاهِبِهَا (أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) أَيْ أَعْطَاهَا لِوَاهِبِهَا عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى وَالْإِخْدَامِ قُرْبَ حَوْزِهِ لَهَا وَحَصَلَ مَانِعٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ تِلْكَ الْحِيَازَةَ تَصِيرُ كَالْعَدَمِ وَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَعِيرِ حَتَّى تَتِمَّ الْمُدَّةُ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى لِلْوَاهِبِ إخْدَامٌ وَلَا إعَارَةٌ) فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْوَاهِبَ أَعَارَ، أَوْ اسْتَخْدَمَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ الْهِبَةَ مِنْهُ صَحَّ حَوْزُ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لَهُ كَالْمُودَعِ.

(قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ بِالْهِبَةِ) أَيْ سَوَاءٌ رَضِيَ بِحَوْزِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ لَمْ يَرْضَ فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عِلْمُهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْهِبَةِ وَالرِّضَا بِالْحَوْزِ فِي صِحَّةِ حَوْزِ الْمُودَعِ اُنْظُرْ بْن وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُودَعِ وَبَيْنَ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِيهِمَا أَنَّ الْمُخْدَمَ وَالْمُسْتَعِيرَ حَازَا لِنَفْسِهِمَا وَلَوْ قَالَا لَا نَحُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُبْطِلَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَهُمَا غَيْرُ قَادِرَيْنِ عَلَى ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ قَبُولِهِمَا وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى رَدِّ مَا قَبِلَاهُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُمَا لِلْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا فَصَارَ حَوْزُهُمَا مُعْتَبَرًا مُعْتَدًّا بِهِ وَالْمُودَعُ لَوْ شَاءَ لَقَالَ خُذْ مَا أَوْدَعْتنِي لَا أَحُوزُهُ لَك. (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حَوْزِ الْمُودَعِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ حَوْزِ الْمُودَعِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ حَوْزُ غَاصِبٍ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ خَلَاصِهِ مِنْ الْغَاصِبِ كَانَ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ رَضِيَ الْغَاصِبُ بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْحَوْزِ عِنْدَ أَمْرِ الْوَاهِبِ الْغَاصِبَ بِالْحَوْزِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَرِضَا الْغَاصِبِ بِالْحَوْزِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ غَائِبًا وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا رَشِيدًا فَفِيهِ خِلَافٌ اُنْظُرْهُ فِي بْن وَأَمَّا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ لِلْغَاصِبِ لَا تَدْفَعْهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ حَوْزًا اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ كَالْمُودَعِ) أَيْ فِي كِفَايَةِ حَوْزِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ) أَيْ إذَا مَاتَ وَاهِبُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِبُطْلَانِ الْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ) أَيْ حَيْثُ قِيلَ بِعَدَمِ صِحَّةِ حَوْزِ الْأَوَّلِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَبِصِحَّةِ حَوْزِ الثَّانِي لَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ إلَخْ) إنْ قُلْت الْمُرْتَهِنُ قَادِرٌ عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ وَإِبْقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّ حَوْزَهُ يَكْفِي قُلْت الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّ الْعَارِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا قَبَضَ لِلتَّوَثُّقِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَا لِلتَّوَثُّقِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ حَوْزُ الْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ رَجَعَتْ الْهِبَةُ لِلْوَاهِبِ بَعْدَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقُرْبٍ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ غَلَّةٌ أَمْ لَا وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَقْيِيدُ الْمَوَّاقِ لَهُ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا غَلَّةٌ فَقَطْ رَدَّهُ طفى. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَانِعٌ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِرْدَادُهَا لِيَصِحَّ حَوْزُهَا فَاَلَّذِي يَبْطُلُ فِي الْحَقِيقَةِ بِرُجُوعِهَا لِلْوَاهِبِ إنَّمَا هُوَ الْحَوْزُ فَقَطْ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَالْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمِيرًا مُسْتَتِرًا عَائِدًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: قُرْبٍ إلَخْ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ آجَرَهَا وَأَرْفَقَ بِهَا. (قَوْلُهُ: وَحَصَلَ مَانِعٌ) أَيْ لِلْوَاهِبِ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ الْإِجَارَةِ وَالْإِرْفَاقِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحِيَازَةَ) أَيْ الْحَاصِلَةَ

الصفحة 105