كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَلَا تَبْطُلُ وَيَأْخُذُهَا مِنْ الْوَاهِبِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ وَذَكَرَ مَفْهُومَ بِقُرْبٍ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ) رُجُوعِهَا لَهُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَ مُضِيِّ (سَنَةٍ) مِنْ حَوْزِهَا فَلَا تَبْطُلُ كَانَ لَهَا غَلَّةٌ أَمْ لَا لِطُولِ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ (أَوْ) (رَجَعَ) الْوَاهِبُ لِدَارٍ مَثَلًا وَهَبَهَا (مُخْتَفِيًا) مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ حَوْزِهَا بِأَنْ وَجَدَ الدَّارَ خَالِيَةً فَسَكَنَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِذَلِكَ (أَوْ) رَجَعَ الْوَاهِبُ (ضَيْفًا) أَوْ زَائِرًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (فَمَاتَ) الْوَاهِبُ فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ فَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ.

(وَ) صَحَّ (هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا) وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ يَدُ الْوَاهِبِ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ مَا عَدَا دَارَ السُّكْنَى فَيَشْمَلُ الْخَادِمَ وَغَيْرَهُ.

وَأَمَّا دَارُ السُّكْنَى فَفِيهَا تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا) (لَا الْعَكْسُ) وَهُوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ " لَا الْعَكْسُ " قَوْلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا مِنْ الْوَاهِبِ جَبْرًا عَلَيْهِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَصِحَّ حَوْزُهُ وَتَتِمَّ لَهُ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ رُجُوعِهَا لَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ وَقَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ أَيْ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إرْفَاقٍ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ حَوْزِهَا فَلَا تَبْطُلُ) أَيْ إذَا حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ مَحْجُورِهِ وَأَمَّا الْهِبَةُ لِمَحْجُورِهِ فَتَبْطُلُ بِرُجُوعِهَا لِلْوَاهِبِ مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ ارْتَضَاهَا ابْنُ رُشْدٍ، وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَحْجُورَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ عَامٍ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَوَّلَ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ وَبِهَا جَرَى الْعَمَلُ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ اهـ بْن، وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيْ رُجُوعِهِمَا عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ حَوْزِهِ وَأَمَّا الْوَقْفُ إنْ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ لِلْوَاقِفِ إنْ عَادَ لَهُ عَنْ قُرْبٍ لَا عَنْ بُعْدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ كَالْكُتُبِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَقْفُ مَا عَادَ لَهُ بَعْدَ صَرْفِهِ وَلَوْ عَنْ قُرْبٍ وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَقْفُهُ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ) أَيْ إذَا حَصَلَ لِلْوَاهِبِ مَانِعٌ قَبْلَ رُجُوعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ مُخْتَفِيًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا مِنْهُ فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِذَا حَازَ الْمُعْطَى الدَّارَ وَسَكَنَ ثُمَّ اسْتَضَافَهُ الْمُعْطِي فَأَضَافَهُ، أَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ، أَوْ اخْتَفَى عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْعَطِيَّةَ اهـ وَهَكَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ اهـ بْن وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَيْفًا، أَوْ زَائِرًا) الزَّائِرُ هُوَ الْقَاصِدُ لِلثَّوَابِ وَأَمَّا الضَّيْفُ فَهُوَ مَنْ نَزَلَ عِنْدَك لِضِيقِ وَقْتٍ أَوْ جُوعٍ فَلَيْسَ قَاصِدًا لَك ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الزَّائِرِ.

(قَوْلُهُ: وَصَحَّ هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ صَحَّ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَرْفُوعٌ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ صَحَّ وَقَوْلُهُ: مَتَاعًا أَيْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْفُرُشِ وَالنُّحَاسِ وَالْخَادِمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ يَدُ الْوَاهِبِ عَنْهُ) أَيْ بِشَرْطِ إشْهَادِهِ عَلَيْهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ هِبَةَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لَا تَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ فَمَتَى أَشْهَدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ وَهِيَ فِي حَوْزِهِ لَمْ يَضُرَّ وَأَمَّا هِبَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ شَيْئًا غَيْرَ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَعَبِيدِ الْخَرَاجِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعَقَارِ غَيْرِ دَارِ السُّكْنَى فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحِيَازَةِ كَمَا فِي بْن وَهَبَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ، أَوْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا وَأَلْحَقَ الْجَزِيرِيُّ الْحَيَوَانَ بِعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَأَلْحَقَ أَيْضًا بِالزَّوْجَيْنِ الْأَبَ يَهَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْأُمَّ كَذَلِكَ فَلَا يَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ فَمَتَى أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ وَهِيَ فِي حَوْزِهِ فَلَا يَضُرُّ وَكَذَلِكَ أَلْحَقَ بِالزَّوْجَيْنِ هِبَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا وَهِبَتَهُ لَهَا فَإِذَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلَا يَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْخَادِمَ وَغَيْرَهُ) أَيْ كَالْفُرُشِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ فَإِذَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَمَاتَ الْوَاهِبُ وَلَمْ يَحْصُلْ حَوْزٌ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ " وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ مَا عَدَا دَارَ السُّكْنَى فَيَشْمَلُ الْخَادِمَ وَغَيْرَهُ " نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَمِلَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَعَبِيدَ الْخَرَاجِ وَالْعَقَارَ غَيْرَ دَارِ السُّكْنَى وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا عَلِمْت.

(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا) أَيْ أَوْ لِبَنِيهِ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ سَاكِنَةً فِيهَا حَتَّى مَاتَتْ إذَا أَشْهَدَتْ وَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْهَا وَأَنْ لَا يَبِيعَهَا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ سُكْنَاهُ مَعَهَا فِيهَا حِيَازَةً لَهُ اهـ وَبِهَذَا يُرَدُّ مَا ذَكَرَهُ عج مِنْ صِحَّةِ الْهِبَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: لَا الْعَكْسُ) وَهُوَ هِبَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ دَارَ سُكْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا فِيهَا مَعَهَا حَتَّى مَاتَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مُجَرَّدَةً عَنْ شَائِبَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَأَمَّا لَوْ الْتَزَمَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ إنْ أَسْلَمَتْ فَالدَّارُ السَّاكِنُ فِيهَا مَعَهَا تَكُونُ لَهَا فَأَسْلَمَتْ فَهِيَ لَهَا وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا بُدَّ مِنْ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ قَالَهُ ح فِي الْتِزَامَاتِهِ

الصفحة 106