كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ مِلْكًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَرْجُوعُ لَهُ فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فَقَالَ (كَحُبْسٍ عَلَيْكُمَا) أَيْ كَقَوْلِ مُحَبِّسٍ لِرَجُلَيْنِ هَذَا الشَّيْءُ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا (وَهُوَ لِآخِرِكُمَا) فَهُوَ حُبْسٌ عَلَيْهِمَا مَا دَامَا حَيَّيْنِ مَعًا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ لِلْآخَرِ (مِلْكًا) يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْآخَرِ حَبْسًا فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ وَقِيلَ يَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ، أَوْ وَارِثِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَقْفِ فَقَوْلُهُ مِلْكًا مَعْمُولٌ لِ رَجَعَتْ مُقَدَّرًا كَمَا عَلِمْتَ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَجَعَتْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَارِثِهِ فِي الْأُولَى وَتَرْجِعُ مِلْكًا لِلْآخَرِ مِنْهُمَا فِي الثَّانِيَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَتِهِ الْأَغْلَبِيَّةِ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِلْكٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ أَيْ الرَّاجِعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِلْكٌ.

لَا (الرُّقْبَى) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَلَا تَجُوزُ فِي حُبْسٍ وَلَا مِلْكٍ وَهِيَ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَهَا بِالْمِثَالِ بِقَوْلِهِ (كَذَوِي دَارَيْنِ) أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ دَارٍ وَعَبْدٍ (قَالَا) أَيْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (إنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا) أَيْ دَارُك وَدَارِي (لِي، وَإِلَّا) بِأَنْ مِتُّ قَبْلَك (فَلَكَ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَارَ كُلٍّ مِلْكٌ لَهُ فَالْمُرَادُ إنْ مِتَّ قَبْلِي فَدَارُك لِي مَضْمُومَةٌ لِدَارِي، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك فَدَارِي لَك مَضْمُومَةٌ لِدَارِك وَإِنَّمَا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إلَى الْمُخَاطَرَةِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ رَجَعَتْ لِوَارِثِهِ مِلْكًا وَلَا تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَشُبِّهَ فِي الْمَنْعِ قَوْلُهُ (كَهِبَةِ نَخْلٍ) لِشَخْصٍ (وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا) أَيْ اسْتَثْنَى الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا (سِنِينَ) مَعْلُومَةً، أَوْ سَنَةً فَلَا مَفْهُومَ لِلْجَمْعِ عَلَى الْأَصَحِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْفَتْحِ أَرْضًا أُعْمِرَتْ لَهُ وَمَاتَ أَخَذَهَا رَبُّهَا وَدَفَعَ لِوَرَثَتِهِ أُجْرَةَ الْحَرْثِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَهَا لَهُمْ بِحَرْثِهَا تِلْكَ السَّنَةَ وَأَخَذَ مِنْهُمْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا فَإِنْ مَاتَ الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ وَبِهَا زَرْعٌ وَفَاتَ الْإِبَّانُ فَلِوَرَثَتِهِ الزَّرْعُ الْمَوْجُودُ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ زَرَعَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ) أَيْ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَلِأَقْرَبِ امْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَتْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ مِنْهُمْ، بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا حَيَاتَكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا وَحُكْمُهَا كَالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَتَرْجِعُ إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي حُبْسًا فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي فَهَلْ تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ، أَوْ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ لِوَارِثِهِ قَوْلَانِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: صُورَةُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ حُبْسٌ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا الثَّانِيَةُ: حُبْسٌ عَلَيْكُمَا وَيَسْقُطُ قَوْلُهُ: وَهُوَ لِآخِرِكُمَا، الثَّالِثَةُ: حُبْسٌ عَلَيْكُمَا حَيَاتَكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا فَفِي الْأُولَى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَتْ لِلثَّانِي مِلْكًا وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ رَجَعَتْ لِلثَّانِي حُبْسًا فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي فَهَلْ تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ، أَوْ تَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ قَوْلَانِ وَهُمَا مَنْصُوصَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَمُخَرَّجَانِ فِي الثَّالِثَةِ.
(قَوْلُهُ: مَعْمُولٌ لِ رَجَعَتْ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ رَجَعَتْ رُجُوعَ مِلْكٍ لَا مَفْعُولٌ بِهِ؛ لِأَنَّ رَجَعَ لَازِمٌ وَقَوْلُهُ: مَعْمُولٌ لِ رَجَعَتْ أَيْ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمُحَبِّسِ. (قَوْلُهُ: حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَجَعَتْ) فِيهِ أَنَّ مِلْكًا مَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ وَمَجِيءُ الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَالًا مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَيُؤَوَّلُ هُنَا بِاسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ رَجَعَتْ فِي حَالِ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ فَاعِلَ رَجَعَ الْمَذْكُورَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْعُمْرَى وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: مِلْكًا رَاجِعًا لِلْأُولَى فَقَطْ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ الرَّاجِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِ رَجَعَ الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ التَّشْبِيهُ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ فِي حُبْسٍ وَلَا مِلْكٍ) بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ إنْ مِتُّ فَدَارِي مِلْكٌ لَك أَوْ حُبْسٌ عَلَيْك. (قَوْلُهُ: فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ إذَا وَقَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَيْ بِأَنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا بِفَوْرِ الْآخَرِ وَدَخَلَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً. (قَوْلُهُ: أَنَّ دَارَ كُلٍّ) أَيْ دَارَ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ لِلنَّصَارَى كُونُوا هُودًا مِثْلَنَا وَقَالَتْ النَّصَارَى لِلْيَهُودِ كُونُوا نَصَارَى مِثْلَنَا. (قَوْلُهُ: إلَى الْمُخَاطَرَةِ) أَيْ الْغَرَرِ؛ إذْ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَمُوتُ قَبْلَ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ رَجَعَتْ أَيْ دَارُ مَنْ مَاتَ لِوَارِثِهِ وَلَا تَكُونُ لِلْمُرَاقِبِ الْحَيِّ. (قَوْلُهُ: كَهِبَةِ نَخْلٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْآنَ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الْأَجَلِ الَّذِي يَقْبِضُ الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا فِيهِ وَالْعِلَاجُ فِيهِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا) أَيْ كُلِّهَا، أَوْ بَعْضِهَا لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ بْن خِلَافًا لعبق حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ إذَا اسْتَثْنَى بَعْضَهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا مَفْهُومَ لِلْجَمْعِ) وَذَلِكَ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ وَهِيَ الْمُخَاطَرَةُ أَيْ الْغَرَرُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرَةِ سَنَةً وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ فِيمَا دُونَ الْجَمْعِ وَنُسِبَ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ

الصفحة 109