كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ شَيْءٍ (مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهُ) نَائِبُ فَاعِلِ مُسْتَثْنًى أَيْ اسْتَثْنَاهَا الْبَائِعُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ الِانْتِفَاعِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَاسْتَثْنَى بَائِعُهَا مَنْفَعَتَهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِإِنْسَانٍ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُجَوِّزُ اسْتِثْنَاءَ الْعَامِ فِي الدَّارِ وَسِنِينَ فِي الْأَرْضِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّابَّةِ لَا جُمُعَةً وَكَرِهَ الْمُتَوَسِّطَ.

(وَ) جَازَ (النَّقْدُ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّيْءِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمَبِيعِ الْمُسْتَثْنَى مَنْفَعَتُهُ (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا) أَيْ إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ تَغَيُّرُهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، وَمُدَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ ظُنَّ بَقَاؤُهُ بِحَالِهِ أَوْ احْتَمَلَ بِأَنْ شُكَّ فِي الْبَقَاءِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ لَا جَوَازِ النَّقْدِ أَيْ مَحَلِّ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ مَا ذُكِرَ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ تَغَيُّرُهُ لَكِنْ إنْ ظَنَّ الْبَقَاءَ فَالْجَوَازُ قَطْعًا، وَإِنْ احْتَمَلَ فَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ ظَنَّ التَّغَيُّرَ فَالْمَنْعُ قَطْعًا، وَإِذَا مُنِعَ الْعَقْدُ مُنِعَ النَّقْدُ ضَرُورَةً.

(وَ) جَازَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سِنِينَ أَوْ شُهُورًا أَوْ أَيَّامًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ (عَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ) أَوْ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ فَإِنْ كَانَتْ السِّنِينَ أَوْ الشُّهُورَ تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ كَدُورِ مَكَّةَ وَدُورِ النِّيلِ بِمِصْرَ وَحَصَلَ مَانِعٌ رَجَعَ لِلْقِيمَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الرُّجُوعَ لِلتَّسْمِيَةِ فَسَدَ.

(وَ) جَازَ (كِرَاءُ أَرْضٍ لِتُتَّخَذَ مَسْجِدًا مُدَّةً) مُعَيَّنَةً (وَالنَّقْضُ) يَكُونُ (لِرَبِّهِ) الْبَانِي (إذَا انْقَضَتْ) الْمُدَّةُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ لِتَقْيِيدِهِ الْوَقْفَ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ، وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْيِيدُ كَمَا يَأْتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِعَدَمِ إيجَارِهَا إلَّا لِلْأَوَّلِ كَالْأَحْكَارِ بِمِصْرَ، وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ وَصُورَةُ ذَلِكَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ دَارًا مَوْقُوفَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ بِالْبِنَاءِ فِيهَا لِيَكُونَ لَهُ خُلُوًّا وَجَعَلَ عَلَيْهَا حَكْرًا كُلَّ سَنَةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ إيجَارِ الْأَوَّلِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَأْجِرُهَا إلَّا الْأَوَّلُ وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَمَحَلُّهُ إذَا دَفَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يَدْفَعُهُ غَيْرُهُ، وَإِلَّا جَازَ إيجَارُهَا لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الدَّابَّةِ) أَيْ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ فِي الرَّقِيقِ.

(قَوْلُهُ: وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ) لَمْ يُثْنِ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ فَتَجُورُ الْمُطَابَقَةُ وَعَدَمُهَا أَوْ أَنَّهُ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرَ أَيْ وَجَازَ النَّقْدُ فِيمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: فِي الشَّيْءِ الْمُؤَجَّرِ) أَيْ الَّذِي أُوجِرَ مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ الْإِجَارَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ تَغَيُّرُهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ) أَيْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنْهَا الْمَنَافِعُ لَا الْأُولَى كَمَا فِي عبق اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ إذَا ظُنَّ بَقَاؤُهُ وَقَوْلُهُ: دُونَ الثَّانِيَةِ أَيْ مَا إذَا شُكَّ فِي بَقَائِهِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ . وَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي حَالَةِ الشَّكِّ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا كَانَ الْغَالِبُ تَغَيُّرَهُ (قَوْلُهُ: فَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ فَجَوَازُ الْعَقْدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ شَاسٍ جَوَازُ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَى بَهْرَامَ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا مُنِعَ الْعَقْدُ) أَيْ لِظَنِّ التَّغَيُّرِ أَوْ لِلشَّكِّ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُنِعَ النَّقْدُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الْعَقْدِ مَنْعُ النَّقْدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْعَقْدِ لُزُومُ النَّقْدِ فَفِي حَالَةِ الشَّكِّ فِي التَّغَيُّرِ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ السِّنِينَ أَوْ الشُّهُورَ تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ سَنَةً تُخَالِفُ سَنَةً فِي الْأُجْرَةِ أَوْ كَانَ شَهْرٌ يُخَالِفُ شَهْرًا أَوْ أَيَّامٌ تُخَالِفُ أَيَّامًا فِي الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَحَصَلَ مَانِعٌ) أَيْ مِنْ سُكْنَى بَعْضِ الْمُدَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (قَوْلُهُ: رَجَعَ لِلْقِيمَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ) أَيْ عِنْدَ السُّكُوتِ أَوْ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ لَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ سَنَةٍ مَا يَخُصُّهَا، وَلَا لِكُلِّ شَهْرٍ مَا يَخُصُّهُ وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَحَصَلَ مَانِعٌ مَنَعَهُ مِنْ سُكْنَى بَاقِيهَا فَإِنْ كَانَتْ السِّنِينَ أَوْ الْأَشْهُرَ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ لِلتَّسْمِيَةِ فَإِنْ سَكَنَ نِصْفَ الْمُدَّةِ لَزِمَهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ سَكَنَ ثُلُثَهَا لَزِمَهُ ثُلُثُهُ، وَإِنْ كَانَتْ السِّنِينَ أَوْ الْأَشْهُرَ تَخْتَلِفُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ لِلْقِيمَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ عِنْدَ السُّكُوتِ أَوْ اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَإِنْ اشْتَرَطَا عِنْدَ الْعَقْدِ الرُّجُوعَ لِلتَّسْمِيَةِ وَالْحَالُ أَنَّ السِّنِينَ تَخْتَلِفُ بِالْقِيمَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى الْخَلِيجِ سَنَةً بِمِائَةٍ وَسَكَنَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَيَّامَ النِّيلِ وَحَصَلَ مَانِعٌ مِنْ سُكْنَاهُ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ كِرَاءُ الْبَيْتِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَ سَبْعِينَ حَطَّ الْمَالِكُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ تُسَاوِي مِائَةً فَلَا يُحَطُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ: مُدَّةً) تَنَازَعَهُ كِرَاءُ وَتُتَّخَذُ مَسْجِدًا (قَوْلُهُ: لِتَقْيِيدِهِ الْوَقْفَ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ أَرْضٌ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ وَبَنَى فِيهَا مَسْجِدًا وَاسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ النَّقْضُ فِي حَبْسٍ مُمَاثِلٍ لِلْمَسْجِدِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْجِدًا آخَرَ أَوْ قَنْطَرَةً أَوْ رِبَاطًا أَوْ سَبِيلًا؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ دَاخِلٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ لَلَبَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ رَبُّ الْأَرْضِ دَفْعَ قِيمَةِ النَّقْضِ، وَأَبْقَاهُ مَسْجِدًا دَائِمًا فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجَابُ لَهُ، وَلَيْسَ لَلَبَانِي امْتِنَاعٌ حِينَئِذٍ كَمَا قَيَّدَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ

الصفحة 11