كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(وَ) الْحَالُ أَنَّ الْوَاهِبَ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ (السَّقْيُ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الْجَهْلُ بِعِوَضِ السَّقْيِ؛ إذْ لَا يُدْرَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ النَّخْلُ بَعْدَ تِلْكَ الْأَعْوَامِ فِي نَظِيرِ سَقْيِهِ فَإِنْ وَقَعَ وَاطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّغَيُّرِ فُسِخَ وَرُدَّتْ النَّخْلُ بِثَمَرَتِهَا لِرَبِّهَا وَرَجَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقِيمَةِ سَقْيِهِ وَعِلَاجِهِ، وَإِنْ فَاتَتْ بِتَغَيُّرِ مِلْكِهَا الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَرَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِمِثْلِ مَا أَكَلَ مِنْ الثَّمَرِ إنْ عُرِفَ، وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ.

(أَوْ) دَفْعِ (فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو) عَلَيْهَا (سِنِينَ) ، أَوْ سَنَةً (وَ) شَرَطَ أَنَّهُ (يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ عِنْدِهِ (وَلَا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) يَعْنِي وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ الْأَجَلُ الْمَذْكُورُ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ بَاعَ الْفَرَسَ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ تِلْكَ السِّنِينَ وَلَا يُدْرَى هَلْ يَسْلَمُ الْفَرَسُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا فَتَذْهَبَ النَّفَقَةُ بَاطِلًا فَهُوَ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ.

(وَلِلْأَبِ) فَقَطْ لَا الْجَدِّ (اعْتِصَارُهَا) أَيْ الْهِبَةِ (مِنْ وَلَدِهِ) الْحُرِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا أَيْ أَخْذُهَا مِنْهُ جَبْرًا بِلَا عِوَضٍ وَلَوْ حَازَهَا الِابْنُ بِأَنْ يَقُولَ رَجَعْت فِيمَا وَهَبْته لَهُ، أَوْ أَخَذْتهَا، أَوْ اعْتَصَرْتهَا فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْعَامَّةِ لَهُ غَالِبًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ لَفْظِ الِاعْتِصَارِ (كَأُمٍّ) لَهَا الِاعْتِصَارُ لِمَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ وَقَوْلُهُ (فَقَطْ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ أَيْ لِلْأَبِ فَقَطْ دُونَ الْجَدِّ مِنْ وَلَدِهِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ الْهِبَةِ فَقَطْ أَيْ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالضَّمِيرِ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالْحُبْسِ كَأُمٍّ فَقَطْ دُونَ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْأُخْتِ.

لَكِنَّ مَحَلَّ جَوَازِ اعْتِصَارِ الْأُمِّ حَيْثُ (وَهَبَتْ) صَغِيرًا (ذَا أَبٍ) لَا يَتِيمًا فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُوسِرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ السَّقْيُ بِمَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ بِمَاءِ الْوَاهِبِ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ فِيهِمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ؛ لِأَنَّ عِلَاجَ السَّقْيِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُعَاوَضَةِ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَاءِ الْوَاهِبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: بِعِوَضِ السَّقْيِ) أَيْ وَهُوَ النَّخْلُ فَسَقْيُهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ بِالنَّخْلِ. (قَوْلُهُ: فِي نَظِيرِ) أَيْ الْكَائِنِ فِي نَظِيرِ سَقْيِهِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلنَّخْلِ. (قَوْلُهُ: وَاطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَوْلُهُ: قَبْلَ التَّغَيُّرِ أَيْ قَبْلَ تَغَيُّرِ النَّخْلِ سَوَاءٌ مَضَتْ سِنِينُ الِاسْتِثْنَاءِ كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا. (قَوْلُهُ: وَرُدَّتْ النَّخْلُ بِثَمَرَتِهَا) أَيْ مَعَ ثَمَرَتِهَا حَيْثُ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الثَّمَرَةَ لِمُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا. (قَوْلُهُ: يَوْمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا) أَيْ فَصَارَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ مَلَكَهَا مِنْ يَوْمِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ دَفْعِ فَرَسٍ إلَخْ) لَا مَفْهُومَ لِفَرَسٍ وَلَا لِقَوْلِهِ لِمَنْ يَغْزُو عَلَيْهَا بَلْ كَذَلِكَ دَفْعُ فَرَسٍ لِمَنْ يَطْحَنُ عَلَيْهَا أَوْ حِمَارٍ لِمَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهِ أَوْ ثَوْرٍ لِمَنْ يَحْرُثُ عَلَيْهِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ أَنَّهُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَنَ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ) أَيْ وَتَكُونُ لَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَلَيْسَ التَّمَلُّكُ مِنْ الْآنَ وَإِنَّمَا اتَّفَقَا الْآنَ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْأَجَلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) أَيْ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ بِالْهِبَةِ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ وَقَدْ اعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ الْبَيْعَ وَهُوَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّمْلِيكِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ مَنْفِيٌّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ قَالَ عبق وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ قَوْلَهُ وَلَا يَبِيعُهُ إلَخْ أَنَّهُ يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ وَلَا يَبِيعُهُ. (قَوْلُهُ: بَاطِلًا) أَيْ ذَهَابًا بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: فَهُوَ غَرَرٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ نَقْلًا عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ: إنَّهُ إذَا اُطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالدَّافِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى عَطِيَّتَهُ بِلَا شَرْطٍ وَإِنْ شَاءَ ارْتَجَعَ فَرَسَهُ وَغَرِمَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرَسُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ بَيْعًا فَاسِدًا فَيُفْسَخُ وَيَغْرَمُ رَبُّ الْفَرَسِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ غَرِمَ الْقَابِضُ قِيمَةَ الْفَرَسِ حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ وَيَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمُخَاطَرَةٌ) عَطْفُ مُرَادِفٍ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ) أَيْ كَمَا فِي نَقْلِ بْن عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَظْهَرِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَقَدْ رَدَّهُ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ» (قَوْلُهُ: بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ) الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اعْتِصَارَهَا مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا ذَا أَبٍ وَأَنْ لَا تُرِيدَ بِهِبَتِهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَلَدِهِ فَقَطْ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: أَيْ لِلْأَبِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَلَدٍ. (قَوْلُهُ: دُونَ الصَّدَقَةِ وَالْحُبْسِ) فِي بْن عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُبْسَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لَمْ يُعْتَصَرْ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ الْمُعْطَى جَازَ اعْتِصَارُهُ وَأَنَّ الْعُمْرَى يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ ضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ أَمْ لَا كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا.

(قَوْلُهُ: صَغِيرًا) قُدِّرَ الْمَوْصُوفُ صَغِيرًا لَا وَلَدًا لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَلَوْ تَيَتَّمَ. (قَوْلُهُ: لَا يَتِيمًا) أَيْ لَا إنْ وَهَبَتْ يَتِيمًا حِينَ هِبَتِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ

الصفحة 110