كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(وَإِنْ) كَانَ الْأَبُ (مَجْنُونًا) جُنُونًا مُطْبِقًا فَلَا يَمْنَعُ جُنُونُهُ الِاعْتِصَارَ.

(وَلَوْ تَيَتَّمَ) الْوَلَدُ بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ حِينَ الْهِبَةِ لِوُجُودِ أَبِيهِ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ وَلَدَهَا الْكَبِيرَ كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مُطْلَقًا، ثُمَّ إنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَ مَا ذُكِرَ مِنْ نَفْسِهِ مُخَالِفًا فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ وَلِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا ذَا أَبٍ، وَإِنْ مَجْنُونًا إلَّا أَنْ يَتَيَتَّمَ لَكَانَ جَارِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ الْإِيضَاحِ.

(إلَّا فِيمَا) أَيْ فِي هِبَةٍ، أَوْ عَطِيَّةٍ، أَوْ مِنْحَةٍ أَوْ عُمْرَى، أَوْ إخْدَامٍ (أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ) أَيْ ثَوَابُهَا لَا مُجَرَّدُ ذَاتِ الْوَلَدِ فَلَا اعْتِصَارَ لَهُمَا وَكَذَا إنْ أُرِيدَ الصِّلَةُ وَالْحَنَانُ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا أَوْ بَائِنًا عَنْ أَبِيهِ، أَوْ خَامِلًا بَيْنَ النَّاسِ (كَصَدَقَةٍ) وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِلَا شَرْطٍ) لِلِاعْتِصَارِ فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ فِيمَا أَعْطَاهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ كَمَا أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِ عَدَمِهِ فِي الْهِبَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَوَانِعَ الِاعْتِصَارِ بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ تَفُتْ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ بِجَعْلِ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ) وَأَمَّا حَوَالَةُ السُّوقِ بِزِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ فَلَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ (بَلْ بِزَيْدٍ) أَيْ زِيَادَةٍ فِي الذَّاتِ مَعْنَوِيَّةً كَتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ، أَوْ حِسِّيَّةً كَكِبَرِ صَغِيرٍ وَسِمَنِ هَزِيلٍ (أَوْ نَقْصٍ) كَذَلِكَ وَكَذَا يَفُوتُ الِاعْتِصَارُ بِخَلْطِ مِثْلِيٍّ بِغَيْرِهِ دَرَاهِمَ، أَوْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ لِلْأَبِ حِينَئِذٍ اعْتِصَارُهَا وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَلَدِ بِقَدْرِهَا (وَلَمْ يُنْكَحْ) الْوَلَدُ

(أَوْ يُدَايَنْ) بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ كَانَ يَتِيمًا حِينَ الْهِبَةِ فَتُعَدُّ تِلْكَ الْهِبَةُ كَالصَّدَقَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا جُنُونًا مُطْبِقًا) أَيْ حِينَ الْهِبَةِ وَأَوْلَى إذَا جُنَّ بَعْدَهَا قَالَ عبق وَانْظُرْ لَوْ جُنَّ الْأَبُ بَعْدَ هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ هَلْ لِوَلِيِّهِ الِاعْتِصَارُ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَيَتَّمَ) رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّهُ إذَا تَيَتَّمَ الْوَلَدُ بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: فَلَهَا الِاعْتِصَارُ) أَيْ مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمْ لَا وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْهِبَةِ كَبِيرًا كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَقْتَ الْهِبَةِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ وَقْتَ الْهِبَةِ صَغِيرًا كَانَ لَهَا الِاعْتِصَارُ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَقْتَ الْهِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَبُ عَاقِلًا، أَوْ مَجْنُونًا مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ تَيَتَّمَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْهِبَةِ فَهَلْ لَهَا الِاعْتِصَارُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ وَقْتَ الْهِبَةِ غَيْرُ يَتِيمٍ أَوْ لَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ نَظَرًا لِيُتْمِهِ حَالَ الِاعْتِصَارِ قَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ حِينَ الْهِبَةِ لَا أَبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ. (قَوْلُهُ: وَلِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ) أَيْ وَمُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ اعْتِرَاضَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا لِلَّخْمِيِّ الثَّانِي أَنَّ الْمُطَابِقَ لِاصْطِلَاحِهِ التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ؛ إذْ قَوْلُهُ: فِي الْخُطْبَةِ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ قَوْلٌ يُقَابِلُ اخْتِيَارَهُ أَمْ لَا لَكِنْ فِي بْن عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا مَعَ اللَّخْمِيِّ فَلَمَّا كَانَ مُخْتَارُهُ ظَاهِرَهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضَانِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ، أَوْ أَنْحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ، أَوْ لِوَلَدِهَا الْكَبِيرِ إلَخْ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مَا الْعَامِلُ فِيهِ هَلْ قَوْلُهُ: تَعْتَصِرُ أَوْ وَهَبَتْ فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ " تَعْتَصِرُ " فَيَكُونُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ " وَهَبَتْ " فَمِثْلُ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ فَيَتَخَرَّجُ الْقَوْلَانِ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ التَّعَلُّقُ بِأَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ وَهُوَ الثَّانِي اهـ بْن. (قَوْلُهُ: لَكَانَ جَارِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ لَهُ الْيُتْمُ فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ أُرِيدَ الصِّلَةُ وَالْحَنَانُ) أَيْ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ بِالْهِبَةِ الصِّلَةَ وَالْحَنَانَ عَلَى وَلَدِهِمَا فَلَا اعْتِصَارَ لَهُمَا فَإِرَادَةُ الصِّلَةِ وَالْحَنَانِ تَمْنَعُ مِنْ اعْتِصَارِهَا وَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الْهِبَةِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ اعْتِصَارِهَا خِلَافًا لِمَا فِي خش وعبق فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَتَيَا بِهِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: كَصَدَقَةٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَا أُرِيدَ بِهِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ مِنْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا صَدَقَةٌ وَحِينَئِذٍ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ شَبَّهَ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَمَا مَعَهَا الصَّدَقَةَ الْوَاقِعَةَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْهِبَةِ بَلْ بِلَفْظِهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ شَرَطَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ الرُّجُوعَ فِي صَدَقَتِهِمَا عَلَى وَلَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا لَوْ تَصَدَّقَ شَخْصٌ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، أَوْ وَهَبَهُ وَشَرَطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ، أَوْ صَدَقَتِهِ إنْ شَاءَ فَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ وَاَلَّذِي فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ وَالْبَاجِيِّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي صَدَقَتِهِ الِاعْتِصَارَ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ قُلْت وَسُنَّةُ الْحُبْسِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَإِذَا اشْتَرَطَهُ الْمُحَبِّسُ فِي نَفْسِ الْحُبْسِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الِاعْتِصَارِ وَقَوْلُهُ: فِي الْهِبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِ يُعْمَلُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مُفَوِّتَاتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَتَغَيُّرِ الذَّاتِ بِزِيَادَتِهَا، أَوْ نَقْصِهَا. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ) أَيْ فِي الْقِيمَةِ وَقَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ) أَيْ لِعَدَمِ فَوَاتِهَا بِهَا لِبَقَاءِ الْمَوْهُوبِ بِحَالِهِ وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ، أَوْ نَقْصُهَا عَارِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَسِمَنِ هَزِيلٍ) اُنْظُرْ هَلْ السِّمَنُ يَجْرِي فِي الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ، أَوْ خَاصٌّ بِالدَّوَابِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقَالَةِ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ حِسِّيٍّ كَهُزَالِ السَّمِينِ، أَوْ مَعْنَوِيٍّ

الصفحة 111