كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

ضَمِيرُ الْمَوْهُوبِ وَقَوْلُهُ (لَهَا) قَيْدٌ فِيهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْإِنْكَاحِ الْعَقْدُ وَاللَّامُ فِي لَهَا لِلْعِلَّةِ فَالْمَانِعُ مِنْ اعْتِصَارِ الْأَبَوَيْنِ تَزْوِيجُ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ عَقْدُهُ لِلذَّكَرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ عَلَى الْبِنْتِ الْمَوْهُوبَةِ لِأَجْلِ هِبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا إعْطَاءُ الدَّيْنِ لَهُمَا لِأَجْلِ يُسْرِهِمَا بِالْهِبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصَدَ ذَاتَهُمَا فَقَطْ لَمْ يُمْنَعْ الْأَبَوَانِ مِنْ الِاعْتِصَارِ.

(أَوْ) (يَطَأْ) بَالِغٌ أَمَةً (ثَيِّبًا) مَوْهُوبَةً لَهُ وَأَمَّا الْبِكْرُ الْمَوْهُوبَةُ فَيَفُوتُ اعْتِصَارُهَا بِافْتِضَاضِهِ وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ لِنَقْصِهَا إنْ كَانَتْ عَلِيَّةً وَزِيَادَتِهَا إنْ كَانَتْ وَخْشًا فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بَلْ بِزَيْدٍ، أَوْ نَقْصٍ وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْبَالِغِ ثَيِّبًا فَلَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ وَلَوْ مُرَاهِقًا.

(أَوْ) (يَمْرَضْ) الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَيَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِالْهِبَةِ (كَوَاهِبٍ) أَيْ كَمَرَضِهِ الْمَخُوفِ؛ لِأَنَّ اعْتِصَارَهَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ وَارِثُهُ (إلَّا أَنْ يَهَبَ) الْوَالِدُ حَالَ كَوْنِ وَلَدِهِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ) أَيْ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، أَوْ مَدِينٌ، أَوْ مَرِيضٌ كَمَرَضِ الْوَاهِبِ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ (أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ) الْحَاصِلُ بَعْدَ الْهِبَةِ مِنْ مَوْهُوبٍ، أَوْ وَاهِبٍ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ بَعْدَ زَوَالِهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) وَتَخْصِيصُهُ بِالْمَرَضِ يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ لَا يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَمْ يُعَامِلْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ الزَّيْدِ وَالنَّقْصِ كَزَوَالِ الْمَرَضِ.

(وَكُرِهَ) لِلْمُتَصَدِّقِ (تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ) بِهِبَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ، أَوْ بِبَيْعٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ، أَوْ مِمَّنْ وَصَلَّتْ لَهُ مِنْهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ " تَمَلُّكُ " بِقَصْدِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ (بِغَيْرِ مِيرَاثٍ) لَيْسَ بِدَاخِلٍ حَتَّى يُخْرِجَهُ لَكِنَّهُ قَصَدَ مَزِيدَ الْإِيضَاحِ بِالتَّصْرِيحِ وَاحْتَرَزَ بِالصَّدَقَةِ عَنْ الْهِبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ لَهَا بَالٌ.

(قَوْلُهُ: ضَمِيرُ الْمَوْهُوبِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالْمُدَايَنَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِمَا لِأَجَلِهَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ وَالرِّسَالَةِ وَسَمَاعِ عِيسَى لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ خِلَافُ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَنَصُّهَا وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَ، أَوْ نَحَلَ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَكَذَا إنْ بَلَغَ الصِّغَارُ مَا لَمْ يُنْكَحُوا أَوْ يُحْدِثُوا دَيْنًا اهـ فَفِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ التَّقْيِيدَ نَظَرٌ اهـ طفى قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ حَمْلُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: أَيْ عَقْدُهُ) أَيْ عَقْدُ الْأَجْنَبِيِّ لِلذَّكَرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى بِنْتِهِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ هِبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ لِأَجْلِ يُسْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ إلَخْ) تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اعْتِصَارِ الْأَبَوَيْنِ قَصْدُ الْأَجْنَبِيِّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَالْمُدَايَنَةَ لِأَجْلِ يُسْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْهِبَةِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ضَبْطُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَأَمَّا قَصْدُ الْوَلَدِ ذَلِكَ وَحْدَهُ فَلَا يَمْنَعُ وَقِيلَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَنْعِ الِاعْتِصَارِ قَصْدُ الْوَلَدِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَيُضْبَطُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: بَالِغٌ) أَيْ وَلَدٌ مَوْهُوبٌ لَهُ بَالِغٌ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَرُمَ الْوَطْءُ كَوَطْءِ حَائِضٍ وَيُصَدَّقُ الْوَلَدُ فِي أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ الْوَطْءُ لِتِلْكَ الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا عُلِمَتْ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا، أَوْ بِكْرًا وَالْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إمَّا بَالِغٌ، أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَفَاتَ اعْتِصَارَهَا وَطْءُ الْوَلَدِ الْبَالِغِ لَا وَطْءُ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَيَفُوتُ اعْتِصَارُهَا بِافْتِضَاضِهَا مُطْلَقًا مِنْ بَالِغٍ، أَوْ صَبِيٍّ. (قَوْلُهُ: بِافْتِضَاضِهِ) أَيْ بِافْتِضَاضِ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَمْرَضْ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ) أَيْ مَرَضًا مَخُوفًا وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ الِاعْتِصَارُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَهَبَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ مَرِيضٍ وَمَدِينٍ وَمُتَزَوِّجٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَثْنَى. (قَوْلُهُ: وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ وَتَخْصِيصُ الزَّوَالِ بِالْمَرَضِ. (قَوْلُهُ: لَا يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ) أَيْ بَلْ يَمْنَعُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) أَيْ فَارِقًا بَيْنَ زَوَالِ الْمَرَضِ وَزَوَالِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُعَامِلْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ) أَيْ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِذَا زَالَ عَادَ الِاعْتِصَارُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ) أَيْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْرٌ عَامَلَهُ النَّاسُ بَعْدَ الْهِبَةِ عَلَيْهِ فَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِأَجْلِهِ لِانْفِتَاحِ بَابِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الِاعْتِصَارِ. (قَوْلُهُ: كَزَوَالِ الْمَرَضِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يُسَوِّغُ الِاعْتِصَارَ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ وَقَالَ الْبَاجِيَّ وَجَمَاعَةٌ بِالتَّحْرِيمِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِتَشْبِيهِهِ بِأَقْبَحِ شَيْءٍ وَهُوَ الْكَلْبُ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ وَلَمَّا «أَرَادَ عُمَرُ شِرَاءَ فَرَسٍ تَصَدَّقَ بِهَا نَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ لَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ» وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ إنَّهُ مَثَّلَ بِغَيْرِ مُكَلَّفٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةٌ شَنَّعَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ التَّشْبِيهَ بِالْكَلْبِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ بَلْ الذَّمُّ وَزِيَادَةُ التَّنْفِيرِ وَالذَّمُّ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّنْفِيرُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ اهـ بْن وَقَوْلُهُ: تَمَلُّكُ صَدَقَتِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً كَالزَّكَاةِ وَالْمَنْذُورَةِ، أَوْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَدَّدَ) أَيْ مَنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ تَمَلُّكِ الْمُتَصَدِّقِ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ.
(قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِالصَّدَقَةِ عَنْ الْهِبَةِ إلَخْ) أَيْ وَاحْتَرَزَ أَيْضًا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ عَنْ مِلْكِهَا بِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ الْعَرِيَّةِ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ وَالْغَلَّةِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا دُونَ الذَّاتِ فَلَهُ شِرَاؤُهَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ مَالِكٍ فَإِذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ شَهْرًا

الصفحة 112