كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَيَجُوزُ تَمَلُّكُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَكَمَا يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الذَّاتِ يُكْرَهُ تَمَلُّكُ الْغَلَّةِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَرْكَبُهَا) إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ (أَوْ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهَا) كَثَمَرَتِهَا وَلَبَنِهَا وَيُلْحَقُ بِالرُّكُوبِ مُطْلَقُ الِاسْتِعْمَالِ وَبِالْأَكْلِ مِنْ الْغَلَّةِ الشُّرْبُ وَالِانْتِفَاعُ بِالصُّوفِ (وَهَلْ) الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ رَضِيَ الْكَبِيرُ أَوْ (إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ) الرَّشِيدُ (بِشُرْبِ اللَّبَنِ) ، أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْغَلَّاتِ لِوَالِدِهِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَجُوزَ (تَأْوِيلَانِ) وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُ بَلْ تَبْقَى الْكَرَاهَةُ مَعَهُ كَالسَّفِيهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْوَلَدِ تَبْقَى مَعَهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ رَضِيَ اتِّفَاقًا وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَكْلِ ثَمَرَتِهَا، أَوْ شُرْبِ لَبَنِهَا، أَوْ رُكُوبِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَظَاهِرُهَا الْمَنْعُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ بِغَيْرِ رِضَا الْأَجْنَبِيِّ وَأَمَّا بِرِضَاهُ فَيُحْمَلُ عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَفِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَحُمِلَ عَلَى مَا لَا ثَمَنَ لَهُ عِنْدَهُمْ، أَوْ لَهُ ثَمَنٌ تَافِهٌ وَعَلَى الِابْنِ الْكَبِيرِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهِ.

(وَيُنْفَقُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى) (أَبٍ) أَوْ أُمٍّ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ (افْتَقَرَ) نَعْتٌ لِأَبٍ (مِنْهَا) نَائِبُ فَاعِلِ يُنْفَقُ أَيْ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ حِينَئِذٍ أَيْ يَجُوزُ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَلَدِ مَالٌ غَيْرُهَا، وَإِلَّا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلِذَا جَعَلْنَا " يُنْفَقُ " مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الشُّمُولِ.

(وَ) لِلْأَبِ (تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ) مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ (أَوْ عَبْدٍ) تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ (لِلضَّرُورَةِ) وَهِيَ تَعَلُّقُ نَفْسِهِ بِهَا لِلْوَطْءِ فِي الْأَمَةِ، وَاحْتِيَاجُهُ لِلْعَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا فَلَهُ شِرَاءُ تِلْكَ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ يَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَرَثَتِهِ أَيْ كُلِّهِمْ أَنْ يَبْتَاعُوا مِنْ الْمُعْمَرِ بِالْفَتْحِ مَا أُعْمِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ حَيَاةَ الْمُعْمَرِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَقَّبَةً فَيُمْنَعَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمُعْمِرِ بِالْكَسْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ مِيرَاثِهِ مِنْهَا لَا أَكْثَرَ اهـ وَلَا يُقَالُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الْغَلَّةِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا يُعَارِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ " وَلَا يَرْكَبُهَا الْمُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي هِبَةِ الذَّاتِ وَكَلَامُنَا فِي هِبَةِ الْغَلَّةِ فَقَطْ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا التَّصَدُّقُ بِالْمَاءِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفُقَرَاءَ فَقَطْ بَلْ هُمْ وَالْأَغْنِيَاءَ كَمَا لِبَعْضِ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ وَفِي ح نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ إذَا خَرَجْت لِلسَّائِلِ بِالْكِسْرَةِ، أَوْ بِالدِّرْهَمِ فَلَمْ تَجِدْهُ أَرَى أَنْ تُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ تَكْمِيلًا لِلْمَعْرُوفِ وَإِنْ وَجَدْته وَلَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِتَأْكِيدِ الْعَزْمِ بِالدَّفْعِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَكْلُهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا مُطْلَقًا وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ وَقَبِلَهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ مِنْ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِهَا وَعَدَمِ جَوَازِ أَكْلِ مُخْرِجِهَا لَهَا. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ تَمَلُّكُهَا) أَيْ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشِرَاءٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَيْ وَأَمَّا الْعَوْدُ فِيهَا مَجَّانًا قَهْرًا عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِغَيْرِ الْأَبِ.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْعَوْدُ فِي الْهِبَةِ مَجَّانًا مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لُزُومُهَا بِالْقَوْلِ؟ قُلْت يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ الْوَاهِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَجْنَبِيِّ الِاعْتِصَارَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ) أَيْ هَذَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ بَلْ وَلَوْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ عَبَّرَتْ بِالْمَنْعِ لَكِنْ فَرَضَتْهُ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَقَالَتْ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا، وَلَا يَرْكَبُهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَعَبَّرَ فِي الرِّسَالَةِ بِالْجَوَازِ حَيْثُ قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنٍ مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فَقِيلَ إنَّ كَلَامَ الرِّسَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا ثَمَنَ لَهُ، أَوْ لَهُ ثَمَنٌ تَافِهٌ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا لَهُ ثَمَنٌ لَهُ بَالٌ وَقِيلَ الرِّسَالَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ رَضِيَ، أَوْ لَا، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا أَيْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ: أَوْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الْوِفَاقِ فَقَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ أَيْ بِالْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ وَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِ الرِّسَالَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَا مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَتُهَا لِلْمُدَوَّنَةِ وَمُخَالَفَتُهَا لَهَا كَانَ لَهُمَا ارْتِبَاطٌ بِالْمُدَوَّنَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِتَأْوِيلَيْنِ تَسَاهُلًا اهـ اُنْظُرْ بْن وَالظَّاهِرُ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ رَشِيدًا وَأَذِنَ لِلْمُعْطِي بِالْكَسْرِ فِي الِانْتِفَاعِ بِاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهَا) أَيْ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَجَمَاعَةٌ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى مَا لَا ثَمَنَ لَهُ عِنْدَهُمْ، أَوْ لَهُ ثَمَنٌ تَافِهٌ) أَيْ وَأَمَّا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَهُ ثَمَنٌ غَيْرُ تَافِهٍ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الِابْنِ الْكَبِيرِ) أَيْ إذَا رَضِيَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا فِيهِمَا، أَوْ الْكَبِيرِ وَلَمْ يَرْضَ،.

(قَوْلُهُ: وَيُنْفِقُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى) أَبٍ أَيْ وَكَذَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَةٍ مِنْ صَدَقَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ لِلنِّكَاحِ لَا لِلْفَقْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الشُّمُولِ) أَيْ فِي شُمُولِ مَا إذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا جَائِزًا، أَوْ وَاجِبًا.

(قَوْلُهُ: وَلِلْأَبِ تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ)

الصفحة 113