كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَتَرْجِعُ الْأَرْضُ لِمَالِكِهَا.

(وَ) جَازَ اسْتِئْجَارٌ (عَلَى طَرْحِ مَيْتَةٍ) وَنَحْوِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ (وَ) اسْتِئْجَارٌ عَلَى (الْقِصَاصِ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَسَلَّمَهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ لِأَوْلِيَائِهِ (وَ) عَلَى (الْأَدَبِ) لِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ إذَا ثَبَتَ مُوجِبُهُ فَلِلْأَبِ أَوْ السَّيِّدِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ.

(وَ) جَازَ اسْتِئْجَارُ (عَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا) بِالنَّقْدِ، وَلَوْ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَحَدُّ إجَارَتِهَا سَنَةٌ إلَّا لِسَفَرٍ فَالشُّهُورُ، وَأَجَازَ إجَارَةَ دَارٍ جَدِيدَةٍ، وَأَرْضٍ مَأْمُونَةِ الرَّيِّ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ وَبِالْمُؤَجَّلِ، وَأَمَّا الدَّارُ الْقَدِيمَةُ فَدُونَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ سَلَامَتَهَا إلَيْهِ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْغَيْرُ الْمَأْمُونَةِ الرَّيِّ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ بِلَا نَقْدٍ، وَمَحَلُّ إيجَارِ الْعَبْدِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا فِيهَا، وَإِلَّا مُنِعَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ سَلَامَتَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ، وَأَكْرَى نَاظِرُهُ إنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَالسَّنَتَيْنِ وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ.

(وَ) جَازَ التَّقْيِيدُ بِالزَّمَنِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ مِنْ حِرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَاسْتِئْجَارِهِ عَلَى عَمَلِ (يَوْمٍ) أَوْ سَاعَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ يَخِيطُ لَهُ فِيهِ أَوْ يَبْنِي أَوْ يَدْرُسُ أَوْ يَحْصُدُ لَهُ فِيهِ بِكَذَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمَلِ دُونَ الزَّمَنِ كَكِتَابَةِ كِتَابِ عِلْمٍ أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ وُصِفَ (أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ) أَوْ سَرَاوِيلَ بِكَذَا فَقَوْلُهُ: (مَثَلًا) رَاجِعٌ لِلْيَوْمِ وَلِلْخِيَاطَةِ وَلِلثَّوْبِ (وَهَلْ تَفْسُدُ) الْإِجَارَةُ (إنْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الزَّمَنَ وَالْعَمَلَ (وَتَسَاوَيَا) كَخِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِكَذَا وَكَانَ الشَّأْنُ أَنَّهُ يُخَاطُ فِي الْيَوْمِ بِتَمَامِهِ لَا فِي أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي عَدَمُ الْفَسَادِ (أَوْ) تَفْسُدُ (مُطْلَقًا) ، وَلَوْ زَادَ الزَّمَنُ عَلَى الْعَمَلِ عَادَةً بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُ خِيَاطَتُهُ فِي نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا وَشَهَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي زَائِدِ الزَّمَنِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ الْجَوَازَ اتِّفَاقًا فَقَوْلُهُ: (خِلَافُ) الْأَوْلَى بَدَلُهُ تَرَدُّدٌ لِلتَّرَدُّدِ فِي النَّقْلِ إلَّا أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَظْهَرُ فِي النَّظَرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ فَاللَّازِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ إبْقَاءَهُ مَسْجِدًا لَا عَلَى التَّأْيِيدِ فَلِلْبَانِي الِامْتِنَاعُ (قَوْلُهُ: وَتَرْجِعُ الْأَرْضُ لِمَالِكِهَا) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا بَانِيهِ إذَا أَرَادَ بَقَاءَهُ مَسْجِدًا عَلَى الدَّوَامِ حَيْثُ امْتَنَعَ مَالِكُ الْأَرْضِ مِنْ بَقَائِهِ وَطَلَبَ هَدْمَهُ مِنْ أَرْضِهِ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ) أَيْ كَنَجَاسَةِ مِرْحَاضٍ وَعَبَّرَ بِطَرْحٍ دُونَ حَمْلٍ لِشُمُولِهِ لِحَمْلِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ وَالْوَجْهِ الْجَائِزِ مَعَ أَنَّ حَمْلَهَا فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ، وَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ مَمْنُوعَةٌ، وَذَلِكَ كَحَمْلِهَا لِبَيْعِهَا أَوْ لِأَكْلِ آدَمِيٍّ غَيْرِ مُضْطَرٍّ وَأَمَّا حَمْلُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ كَحَمْلِهَا لِأَكْلِ كِلَابٍ أَوْ تَزْبِيلِ أَرْضٍ أَوْ لِأَكْلِ مُضْطَرٍّ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ أَيْ الْحَامِلُ أَوْ غَيْرُهُ وَكَحَمْلِ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ (قَوْلُهُ: وَاسْتِئْجَارٌ عَلَى الْقِصَاصِ) ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْقَتْلِ ظُلْمًا فَلَا تَجُوزُ فَإِنْ نَزَلَ اُقْتُصَّ مِنْ الْأَجِيرِ، وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ (قَوْلُهُ: إذَا ثَبَتَ مُوجِبُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمُوجِبِ كَانَ الطَّالِبُ لِلتَّأْدِيبِ الْأَبَ أَوْ السَّيِّدَ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُصَدَّقُ الْأَبُ فِي ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالسَّيِّدُ وَالزَّوْجُ فِي دَعْوَى مَا يُوجِبُ الْأَدَبَ كَمَا فِي ح، وَأَمَّا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ فَلَا يُؤَدِّبُهُ الْأَبُ إلَّا بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ عَلَى فِعْلٍ مُوجِبٍ لِلْأَدَبِ، وَإِلَّا أُدِّبَ الْأَبُ وَالْمُتَوَلِّي لِلْأَدَبِ كَذَا قَرَّرَ ابْن عبق.

(قَوْلُهُ: بِالنَّقْدِ، وَلَوْ بِشَرْطٍ) أَيْ، وَأَوْلَى بِالْمُؤَجَّلِ فَالشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ مَنْعُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَحَدُّ إجَارَتِهَا) أَيْ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ فَلَا يُنَافِي جَوَازَ إجَارَتِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ السَّنَةِ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَعْجِيلِ نَقْدٍ اُنْظُرْ بْن وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا حَصَلَ لَهُ مَشَقَّةٌ يُخْبِرُ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ فَيُؤَدِّي إجَارَتُهَا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِإِتْلَافِهَا (قَوْلُهُ: فَالشُّهُورُ) صَوَابُهُ فَالشَّهْرُ بِالْإِفْرَادِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ كَذَا فِي بْن (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ الْعَقْدُ بِلَا نَقْدٍ) أَيْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَوْلَى أَقَلُّ مِنْهَا بِلَا نَقْدٍ وَيُمْنَعُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِلْكًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَقْفًا فَسَيَنُصُّ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ وَأَكْرَى نَاظِرُهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَيَوْمٍ) هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْمَالِكِ أَيْ وَجَازَ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ وَاسْتِئْجَارُ يَوْمٍ وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ (قَوْلُهُ: مِنْ حِرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ حِرْفَةً كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ أَوْ كَانَ غَيْرَ حِرْفَةٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ.
(قَوْلُهُ: وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَتَسَاوَيَا) أَيْ، وَهُوَ أَحَدُ مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ مُطْلَقًا أَيْ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لَكِنْ إنْ تَسَاوَيَا فَالْمَنْعُ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ زَادَ الزَّمَنُ فَالْمَنْعُ عَلَى أَحَدِ مَشْهُورَيْنِ (قَوْلُهُ: وَتَسَاوَيَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الزَّمَنَ مُسَاوٍ لِلْعَمَلِ أَيْ يَسَعُهُ.
وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ جَمَعَ بَيْنَ الزَّمَنِ وَالْعَمَلِ فَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ مُسَاوِيًا لِلْعَمَلِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَنْعِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ أَحَدُ مَشْهُورَيْنِ وَالْآخَرُ عَدَمُ الْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ أَوْسَعَ مِنْ الْعَمَلِ جَازَ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَمُنِعَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَالْحَالُ أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا أَيْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَسَاوَيَا بَلْ زَادَ الزَّمَانُ عَلَى الْعَمَلِ فَلَا تَفْسُدُ إشَارَةً لِطَرِيقَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا، وَلَمَّا وَافَقَ تَشْهِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ حِكَايَةَ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَتَرَكَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِالصِّحَّةِ لِقُوَّةِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَفْسُدُ مُطْلَقًا أَيْ تَسَاوَيَا أَوْ زَادَ الزَّمَنُ لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ

الصفحة 12