كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(عَلَى الْأَحْسَنِ) فَالْوُجُوبُ فِي صُورَةٍ وَالْحُرْمَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَالْكَرَاهَةُ فِي ثَلَاثَةٍ.

(وَ) وَجَبَ (تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْمُلْتَقَطِ (سَنَةً) كَامِلَةً مِنْ يَوْمِ الِالْتِقَاطِ فَإِنْ أَخَّرَهُ سَنَةً، ثُمَّ عَرَّفَهُ فَهَلَكَ ضَمِنَ (وَلَوْ) كَانَ الْمُلْتَقَطُ (كَدَلْوٍ) وَدِينَارٍ وَدَرَاهِمَ كَصَرْفِهِ فَأَقَلَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّافِهِ لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ التَّافِهِ إلَّا أَنَّهَا دُونَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ بَالٌ فَتُعَرَّفُ أَيَّامًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِمَظَانِّ طَلَبِهَا لَا سَنَةً (لَا تَافِهًا) أَيْ لَا إنْ كَانَ تَافِهًا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ النُّفُوسُ كُلَّ الِالْتِفَاتِ وَهُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ مَا لَا تَلْتَفِتُ النَّفْسُ إلَيْهِ وَتَسْمَحُ غَالِبًا بِتَرْكِهِ كَعَصًا وَسَوْطٍ وَشَيْءٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ فَلَا يُعَرَّفُ وَلَهُ أَكْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبَّهُ، وَإِلَّا مُنِعَ وَضَمِنَ.

(بِمَظَانِّ طَلَبِهَا) (بِكَبَابِ مَسْجِدٍ) لَا دَاخِلَهُ (فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ) مَرَّةً (بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ) أَيْ بِأَمَانَتِهِ (أَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ اللُّقَطَةِ إنْ لَمْ (يُعَرِّفْ مِثْلُهُ) بِأَنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَإِلَّا ضَمِنَ كَمَا لَوْ تَرَاخَى فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى هَلَكَتْ.

(وَ) عَرَّفَهَا وُجُوبًا (بِالْبَلَدَيْنِ) مَعًا (إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ مَظَانِّ طَلَبِهَا.

(وَلَا يَذْكُرُ) الْمُعَرِّفُ وُجُوبًا (جِنْسَهَا) (عَلَى الْمُخْتَارِ) بَلْ يَذْكُرُهَا بِوَصْفٍ عَامٍّ كَمَالٍ، أَوْ شَيْءٍ، وَأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ النَّوْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُرْمَةُ فِي صُورَةٍ هِيَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ الْخَائِنَ وَعَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا مَا إذَا لَمْ يَخَفْ خَائِنًا وَشَكَّ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلِمَ أَمَانَتَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَجْمُوعَ الصُّوَرِ سِتٌّ؛ لِأَنَّ مُرِيدَ الِالْتِقَاطِ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، أَوْ خِيَانَتَهَا، أَوْ شَكَّ فِيهَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَخَافَ الْخَائِنَ لَوْ تَرَكَ الْأَخْذَ، أَوْ لَا وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَهَا، ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْكَرَاهَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَاكِمِ وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْهَا كَمَا فِي عبق. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَحْسَنِ) فِيهِ إجْمَالٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي صُوَرِ الْكَرَاهَةِ كُلِّهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ لَا يَخَافَ خَائِنًا وَيَعْلَمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ وَالْكَرَاهَةُ فِي غَيْرِهِ وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَحْسَنِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ خَائِنًا وَشَكَّ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهُ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُلْتَقِطِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ إنْ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ وَجَبَ أَنْ يُعَرِّفَ الْمُلْتَقِطُ الشَّيْءَ الْمُلْتَقَطَ سَنَةً، أَوْ بِكَسْرِ الْقَافِ إنْ جُعِلَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ سَنَةً، ثُمَّ عَرَّفَهُ إلَخْ وَهَذِهِ عِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالسَّنَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إذَا ضَاعَتْ حَالَ التَّعْرِيفِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا أَخَّرَهُ سَنَةً وَأَمَّا إنْ أَخَّرَهُ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِيهِ فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ فَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَيَّدَ التَّأْخِيرُ بِالسَّنَةِ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَدَلْوٍ) دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الْمِخْلَاةُ وَقَوْلُهُ: كَصَرْفِهِ أَيْ مُمَاثَلَةً لِصَرْفِ الدِّينَارِ فِي الْقَدْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّافِهِ) أَيْ بَلْ هِيَ فَوْقَهُ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا) أَيْ الدَّلْوَ وَالدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ. (قَوْلُهُ: لَا سَنَةً) أَيْ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَالَ الْمُلْتَقَطَ إمَّا تَافِهٌ، أَوْ فَوْقَ التَّافِهِ فَالْأَوَّلُ لَا يُعَرَّفُ أَصْلًا وَالثَّانِي يُعَرَّفُ سَنَةً وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمَالَ الْمُلْتَقَطَ إمَّا تَافِهٌ وَهُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَإِمَّا كَثِيرٌ لَهُ بَالٌ وَهُوَ مَا فَوْقَ الدِّينَارِ وَإِمَّا فَوْقَ التَّافِهِ وَدُونَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ بَالٌ وَهُوَ الدِّينَارُ فَأَقَلُّ إلَى الدِّرْهَمِ فَالْأَوَّلُ لَا يُعَرَّفُ أَصْلًا وَالثَّانِي يُعَرَّفُ سَنَةً وَالثَّالِثُ يُعَرَّفُ أَيَّامًا حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ صَاحِبَهُ تَرَكَهُ وَلِلْمُلْتَقِطِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا بَعْدَ سَنَةٍ، كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: لَا تَافِهًا) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ " كَدَلْوٍ "؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لِ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ بَعْدَ لَوْ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: كَعَصًا وَسَوْطٍ) أَيْ لَا كَبِيرَ قِيمَةٍ لَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَكْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهُ) أَيْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِكَبَابِ مَسْجِدٍ) أَيْ وَسُوقٍ وَلَوْ دَاخِلَهُ. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ مَرَّةً إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ أَوَّلِ زَمَانِ التَّعْرِيفِ أَمَّا فِي أَوَّلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً كَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ. (قَوْلُهُ: بِنَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَعْرِيفِهِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِمَظَانِّ طَلَبِهَا كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْجَارَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا بِمَعْنَى فِي وَالثَّانِيَ لِلْآلَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ) أَيْ بِأَمَانَتِهِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ فِي الْأَمَانَةِ فَإِذَا ضَاعَتْ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَلَا ضَمَانَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَمَانِ الْمُودَعِ إذَا أُودِعَ وَلَوْ أَمِينًا أَنَّ رَبَّهَا هُنَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لِحِفْظِهَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا ضَمِنَ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَرِّفُ مِثْلُهُ وَاسْتَأْجَرَ مَنْ يُعَرِّفُهَا وَضَاعَتْ مِنْهُ ضَمِنَ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يُعَرِّفْ مِثْلُهُ هَذَا التَّقْيِيدُ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ التَّابِعَ لِابْنِ شَاسٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا بِأُجْرَةٍ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَلِي تَعْرِيفَهَا بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَذْكُرُ الْمُعَرِّفُ وُجُوبًا جِنْسَهَا) أَيْ مِثْلَ حَيَوَانٍ، أَوْ عَيْنٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَجُوزُ لِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَذْكُرَ جِنْسَ اللُّقَطَةِ وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: وَأَنْ لَا يَذْكُرَ جِنْسَهَا أَحْسَنُ أَيْ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ ذِكْرِ جِنْسِهَا أَحْسَنُ مِنْ مُقَابِلِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَالٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: يَا مَنْ ضَاعَ لَهُ مَالٌ أَوْ شَيْءٌ يَذْكُرُ أَمَارَتَهُ وَيَأْخُذُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ النَّوْعِ) أَيْ مِثْلُ بَقَرَةٍ، أَوْ حِمَارَةٍ، أَوْ ذَهَبٍ

الصفحة 120