كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَالصِّنْفِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْجِنْسِ يُؤَدِّي أَذْهَانَ بَعْضِ الْحُذَّاقِ إلَى مَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ بِاعْتِبَارِ جَرْيِ الْعَادَةِ.

(وَدُفِعَتْ لِحِبْرٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا أَيْ عَالِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى عَالِمِ الْمُسْلِمِينَ (إنْ) (وُجِدَتْ بِقَرْيَةِ ذِمَّةٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ.

(وَلَهُ حَبْسُهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا السَّنَةَ، (أَوْ التَّصَدُّقُ بِهَا) عَنْ رَبِّهَا أَوْ نَفْسِهِ (أَوْ التَّمَلُّكُ) بِأَنْ يَنْوِيَ تَمَلُّكَهَا فَلِلْمُلْتَقِطِ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ (وَلَوْ) وُجِدَتْ (بِمَكَّةَ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تُسْتَبَاحُ لُقَطَتُهَا بَعْدَ سَنَةٍ.

وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا أَبَدًا حَالَ كَوْنِهِ (ضَامِنًا) لَهَا إذَا جَاءَ رَبُّهَا (فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّصَدُّقِ بِوَجْهَيْهِ وَالتَّمَلُّكِ (كَنِيَّةِ أَخْذِهَا) أَيْ كَمَا يَضْمَنُ إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْتِقَاطِهَا وَلَوْ قَالَ كَنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا قَبْلَهُ كَانَ أَوْضَحَ يَعْنِي أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا رَأَى اللُّقَطَةَ فَنَوَى أَخْذَهَا تَمَلُّكًا، ثُمَّ أَخَذَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا لِرَبِّهَا وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ مَعَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا صَارَ كَالْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا نَوَى التَّمَلُّكَ قَبْلَ السَّنَةِ بَعْدَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا (وَ) كَمَا يَضْمَنُ فِي (رَدِّهَا) لِمَوْضِعِهَا، أَوْ غَيْرِهِ (بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ) أَيْ لِلتَّعْرِيفِ (إلَّا) أَنْ يَرُدَّهَا لِمَوْضِعِهَا (بِقُرْبٍ) مِنْ أَخْذِهَا فَضَاعَتْ (فَتَأْوِيلَانِ) فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ أَخَذَهَا لِغَيْرِ الْحِفْظِ وَرَدَّهَا بِقُرْبٍ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا وَعَنْ بُعْدٍ ضَمِنَ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ أَمْ لَا.

(وَذُو الرِّقِّ كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الرَّقِيقَ كَالْحُرِّ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الِالْتِقَاطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فِضَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَالصِّنْفِ) مِثْلِ بَنَادِقَةٍ، أَوْ مَحَابِيبَ، أَوْ رِيَالَاتٍ.

(قَوْلُهُ: وَدُفِعَتْ لِحِبْرٍ) بَحَثَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ بِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ لِمُسْلِمٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِلْحِبْرِ إلَّا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا) أَيْ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَصَدَّرَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ بِالْفَتْحِ وَقَالَ إنَّهُ رِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَالِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ) سُمِّيَ حِبْرًا بِكَسْرِ الْحَاءِ تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ الْحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ تُدْفَعُ لِلْحِبْرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحِبْرُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ اللُّقَطَةُ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّفْعَ لَهُ مَنْدُوبٌ؛ إذْ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ خِدْمَةٌ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِبْرٌ فَانْظُرْ هَلْ تُدْفَعُ لِرَاهِبِهِمْ أَيْ عَابِدِهِمْ أَوْ لِلسُّلْطَانِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقِلَّةِ اشْتِغَالِ الرَّاهِبِ بِالنِّسْبَةِ لِلسُّلْطَانِ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ حَبْسُهَا) أَيْ حَتَّى يَظْهَرَ رَبُّهَا (قَوْلُهُ: فَلِلْمُلْتَقِطِ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ) اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُلْتَقِطِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَيْرَ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا حَبْسُهَا أَوْ بَيْعُهَا لِصَاحِبِهَا وَوَضْعُ ثَمَنِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَلَا تَمَلُّكُهَا لِمَشَقَّةِ خَلَاصِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ عبق. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ) أَيْ وَهُوَ الْبَاجِيَّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ: وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا أَبَدًا أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَاجٍّ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الْعَوْدُ فِي السَّنَةِ وَاسْتَدَلَّ الْبَاجِيَّ بِحَدِيثِ «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا» وَأَجَابَ الْمَشْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَحِلُّ قَبْلَ السَّنَةِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فِي مَكَّةَ مَعَ أَنَّ عَدَمَ حِلِّهَا قَبْلَ السَّنَةِ عَامٌّ فِي مَكَّةَ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ تَعْرِيفِ لُقَطَتِهَا بِانْصِرَافِ الْحُجَّاجِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ فِي التَّصَدُّقِ بِوَجْهَيْهِ) أَيْ عَنْ رَبِّهَا، أَوْ عَنْ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: كَنِيَّةِ أَخْذِهَا) أَيْ تَمَلُّكِهَا وَقَوْلُهُ: أَيْ قَبْلَ الْتِقَاطِهَا أَيْ قَبْلَ أَخْذِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ كَنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا قَبْلَهُ) أَيْ ثُمَّ أَخَذَهَا. (قَوْلُهُ: فَنَوَى أَخْذَهَا تَمَلُّكًا) أَيْ فَقَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا نَوَى أَخْذَهَا تَمَلُّكًا، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَحَازَ فَتَلِفَتْ مِنْهُ، أَوْ غُصِبَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ مَعَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا) أَيْ مَعَ فِعْلِ الْوَضْعِ حِينَ نِيَّتِهِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الِاغْتِيَالِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا نَوَى التَّمَلُّكَ قَبْلَ السَّنَةِ بَعْدَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا) أَيْ لِلتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ هُنَا لَمْ تَتَجَرَّدْ بَلْ قَارَنَهَا الْكَفُّ عَنْ التَّعْرِيفِ وَقَدْ جَعَلَ ح ضَمِيرَ قَبْلَهَا لِلسَّنَةِ وَحُمِلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مُرْتَضِيًا بَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ الْأُولَى مَا إذَا رَآهَا مَطْرُوحَةً فَنَوَى أَخْذَهَا تَمَلُّكًا، ثُمَّ تَرَكَهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا فَتَلِفَتْ الثَّانِيَةُ مَا إذَا نَوَى تَمَلُّكَهَا وَأَخَذَهَا فَتَلِفَتْ الثَّالِثَةُ مَا إذَا أَخَذَهَا لِلتَّعْرِيفِ، ثُمَّ نَوَى تَمَلُّكَهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ وَحْدَهَا لَا تُعْتَبَرُ وَفِي الثَّانِيَةِ الضَّمَانُ قَطْعًا لِمُصَاحَبَةِ فِعْلِهِ وَهُوَ أَخْذُهَا لِنِيَّةِ الِاغْتِيَالِ وَفِي الثَّالِثَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ مُصَاحَبَةِ فِعْلٍ؛ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النِّيَّةَ تَبَدَّلَتْ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بِالضَّمَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ قَدْ صَاحَبَهَا فِعْلٌ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ التَّعْرِيفِ وَارْتَضَاهُ ح وَحُمِلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَشَارِحُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ حَمَلَهُ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا يَضْمَنُ فِي رَدِّهَا لِمَوْضِعِهَا، أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ بَعْدَ بُعْدٍ مِنْ أَخْذِهَا وَالْحَالُ أَنَّهَا ضَاعَتْ بَعْدَ الرَّدِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي أَخْذِهَا الْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْ خَائِنٍ وَعَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، أَوْ شَكَّ فِيهَا لَا فِي الْوَاجِبِ لِضَمَانِهِ بِرَدِّهَا مُطْلَقًا مِنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ اتِّفَاقًا لِتَرْكِهِ لِلْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ قَوْلُهُ: إلَّا بِقُرْبٍ فَتَأْوِيلَانِ وَلَا فِي الْحَرَمِ لِضَمَانِهِ بِأَخْذِهَا إنْ لَمْ يَرُدَّهَا مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ رَدَّهَا فِيهِ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَذَهَا لِغَيْرِ الْحِفْظِ) أَيْ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ أَخَذَهَا لِسُؤَالِ جَمَاعَةٍ هَلْ هِيَ لَهُمْ

الصفحة 121