كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَإِلَّا فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَلَيْهِ، قَوْلُهُ فَلَهُ أَخْذُهَا أَيْ أَوْ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ الْقِيمَةَ إنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، أَوْ عَنْ رَبِّهَا وَتَعَيَّبَتْ فَإِنْ بَقِيَتْ بِحَالِهَا تَعَيَّنَ أَخْذُهَا، وَإِنْ فَاتَتْ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.

(وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمِسْكِينِ بِنَفْسِ اللُّقَطَةِ (إنْ أَخَذَ) رَبُّهَا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ (قِيمَتَهَا) وَذَلِكَ حَيْثُ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا وَتَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ أَيْ وُجِدَتْ عِنْدَهُ مَعِيبَةً؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِحَالِهَا فَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهَا كَمَا مَرَّ.

وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمِسْكِينِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا) الْمُلْتَقِطُ (عَنْ نَفْسِهِ) فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمِسْكِينِ بِشَيْءٍ لَا بِهَا وَلَا بِالْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا لِرَبِّهَا كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا وَلَمْ تُوجَدْ بِيَدِ الْمِسْكِينِ.

(وَإِنْ) (نَقَصَتْ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا) بَعْدَ تَعْرِيفِهَا السَّنَةَ (فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا) وَلَا أَرْشَ لَهُ فِي النَّقْصِ (أَوْ) أَخْذُ (قِيمَتِهَا) يَوْمَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا فَإِنْ نَوَى تَمَلُّكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ فَكَالْغَاصِبِ وَأَمَّا لَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا فَلَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ فَالْقِيمَةُ.

(وَوَجَبَ) (لَقْطُ طِفْلٍ) أَيْ صَغِيرٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَغِذَاءٍ (نُبِذَ) صِفَةٌ لِطِفْلٍ أَيْ طِفْلٍ مَنْبُوذٍ وَهُوَ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِقَصْدِ النَّبْذِ فَلَا يَشْمَلُ مَنْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ بِمَضْيَعَةٍ (كِفَايَةً) أَيْ وُجُوبُ كِفَايَةٍ وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّقِيطَ بِقَوْلِهِ: صَغِيرٌ آدَمِيٌّ لَمْ يُعْلَمْ أَبَوَاهُ وَلَا رِقُّهُ فَخَرَجَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ، وَمَنْ عُلِمَ رِقُّهُ لُقَطَةٌ لَا لَقِيطٌ وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَهُوَ الْأُمُّ فَعَلَيْهَا الْقِيَامُ بِهِ.

(وَ) وَجَبَ (حَضَانَتُهُ وَنَفَقَتُهُ) عَلَى مُلْتَقِطِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ أَيْضًا بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ أَعْدَمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَابَاةِ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا حَابَى بِهِ فَقَطْ لَا بِأَصْلِ الثَّمَنِ؛ إذْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بَلْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَلَوْ عَدِيمًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحَابَاةِ يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا أَعْدَمَ الْبَائِعُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ لَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي بَلْ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ مُعْدِمًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا شَارَكَ الْبَائِعَ فِي الْعَدَاءِ بِالْمُحَابَاةِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهَا عِنْدَ عُدْمِ بَائِعِهِ وَلَا كَذَلِكَ الثَّمَنُ فَلِذَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَ عُدْمِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْمِسْكِينَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِالْأَقَلِّ مِنْ ثَمَنِهَا، أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَصَدَّقَ بِهَا وَيَرْجِعَ الْمُلْتَقِطُ بِتَمَامِ الثَّمَنِ عَلَى الْمِسْكِينِ؛ لِأَنَّهُ الْبَائِعُ. (قَوْلُهُ: إنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا) يَعْنِي التَّخْيِيرَ الْمُتَقَدِّمَ، وَهُوَ تَخْيِيرُ رَبِّهَا بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْ يَدِ الْمِسْكِينِ، أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُلْتَقِطِ الْقِيمَةَ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً، أَوْ تَعَيَّبَتْ أَوْ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا وَتَعَيَّبَتْ بِاسْتِعْمَالٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا وَجَاءَ رَبُّهَا فَوَجَدَهَا قَائِمَةً، أَوْ تَعَيَّبَتْ بِسَمَاوِيٍّ فِي يَدِ الْمِسْكِينِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ تَعَيَّنَ أَخْذُهَا وَإِنْ وَجَدَهَا قَدْ فَاتَتْ بِهَلَاكٍ سَوَاءٌ تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ عَنْ رَبِّهَا أَوْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ.

(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمِسْكِينِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهَا كَمَا مَرَّ) أَيْ لَا أَخْذُ قِيمَتِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى رُجُوعُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى الْمِسْكِينِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ تُوجَدْ بِيَدِ الْمِسْكِينِ) أَيْ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ قِيمَتِهَا لِرَبِّهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِ الْمُلْتَقِطِ لَهَا وَأَمَّا لَوْ نَقَصَتْ بِسَمَاوِيٍّ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا أَخْذُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى تَمَلُّكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ) أَيْ وَنَقَصَتْ. (قَوْلُهُ: فَكَالْغَاصِبِ) أَيْ يَضْمَنُ أَرْشَ النَّقْصِ وَلَوْ كَانَ بِسَمَاوِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ) أَيْ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا ظَاهِرُهُ وَلَوْ نَقَصَتْ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ اهـ عبق.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ) أَيْ وَبَعْدَ أَنْ عَرَّفَهَا سَنَةً وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ نَقَصَتْ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَقْتَ إرَادَتِهَا الْأَخْذَ، أَوْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا فَإِنْ أَخَذَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ لِمَحَلٍّ مَأْمُونٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَكَانَ لَهَا مَالٌ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي أَخْذِهِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِإِذْنِهِ صَارَ كَأَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ. (قَوْلُهُ: أَيْ صَغِيرٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى. (قَوْلُهُ: نُبِذَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اتِّحَادِ مَعْنَى اللَّقِيطِ وَالْمَنْبُوذِ كَمَا عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْمُتَقَدِّمِينَ وَقِيلَ اللَّقِيطُ مَا اُلْتُقِطَ صَغِيرًا فِي الشَّدَائِدِ وَالْبَلَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَالْمَنْبُوذُ بِخِلَافِهِ وَقِيلَ الْمَنْبُوذُ مَا دَامَ مَطْرُوحًا، وَلَا يُسَمَّى لَقِيطًا إلَّا بَعْدَ أَخْذِهِ وَقِيلَ الْمَنْبُوذُ مَا وُجِدَ بِفَوْرِ وِلَادَتِهِ وَاللَّقِيطُ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمَضْيَعَةٍ) أَيْ وُجِدَ بِمَضْيَعَةٍ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ مَنْ نُبِذَ قَصْدًا وَمَنْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ؛ إذْ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ سَارِقٌ. (قَوْلُهُ: كِفَايَةً) مَحَلُّ الْكِفَايَةِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَيْنًا كَمَا فِي الْإِرْشَادِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْوُجُوبُ وَلَوْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ بِدَعْوَى رِقِّيَّتِهِ مَثَلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ، وَلَا يَكُونُ عِلْمُهُ بِالْخِيَانَةِ عُذْرًا يُسْقِطُ عَنْهُ الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ: وَلَا رِقُّهُ) أَيْ وَلَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُ بَلْ عُلِمَتْ حُرِّيَّتُهُ أَوْ شُكَّ فِيهَا وَفِي رِقِّيَّتِهِ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ: فَخَرَجَ إلَخْ أَيْ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فَخَرَجَ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ إلَخْ) هَذَا

الصفحة 124