كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا) أَيْ فِي الْقَرْيَةِ لَا بِقَيْدِ الْمُسْلِمِينَ (إلَّا بَيْتَانِ) لِلْمُسْلِمِينَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا (إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ الْتَقَطَهُ كَافِرٌ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَمِثْلُ الْبَيْتَيْنِ الْبَيْتُ كَالثَّلَاثَةِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ الْتَقَطَهُ كَافِرٌ.

(وَإِنْ) وُجِدَ (فِي) قَرْيَةٍ مِنْ (قُرَى الشِّرْكِ) الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ (فَ) هُوَ (مُشْرِكٌ) ، وَإِنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ.

(وَلَمْ يَلْحَقْ) اللَّقِيطُ شَرْعًا (بِمُلْتَقِطِهِ وَلَا غَيْرِهِ) إنْ ادَّعَاهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لَهُ بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا ذَهَبَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ طُرِحَ فَإِنْ أَقَامَهَا لَحِقَ بِهِ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ أَوْ كُفْرِهِ (أَوْ بِوَجْهٍ) كَمَنْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ طَرَحَهُ لَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ إذَا طُرِحَ الْجَنِينُ عَاشَ، أَوْ لِغَلَاءٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَيَلْحَقُ بِصَاحِبِ الْوَجْهِ الْمُدَّعَى.

(وَلَا يَرُدُّهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ لِمَوْضِعِهِ (بَعْدَ أَخْذِهِ) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ بِالْتِقَاطِهِ إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ) لَا لِنِيَّةِ تَرْبِيَتِهِ بَلْ (لِيَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ) فَرَفَعَهُ لَهُ (فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَالْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ) لِلنَّاسِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُ فَلَهُ رَدُّهُ حِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْضِعُ مَطْرُوقًا بِأَنْ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ أَخْذِهِ حَتَّى مَاتَ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ شَكَّ فَالدِّيَةُ وَمِثْلُ أَخْذِهِ لِيَرْفَعَهُ لِحَاكِمٍ أَخْذُهُ لِيَسْأَلَ مُعَيَّنًا هَلْ هُوَ وَلَدُهُ أَمْ لَا.

(وَ) لَوْ تَسَابَقَ جَمَاعَةٌ، أَوْ اثْنَانِ عَلَى لَقِيطٍ، أَوْ لُقَطَةٍ وَكُلٌّ أَمِينٌ وَأَهْلٌ لِكِفَايَتِهِ (قُدِّمَ الْأَسْبَقُ) وَهُوَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَلَوْ زَاحَمَهُ عَنْهُ الْآخَرُ وَأَخَذَهُ (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَيَا فِي وَضْعِ الْيَدِ قُدِّمَ (الْأَوْلَى) أَيْ الْأَصْلَحُ لِحِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ أَوْلَى بِأَنْ اسْتَوَيَا (فَالْقُرْعَةُ) .

(وَيَنْبَغِي) لِلْمُلْتَقِطِ (الْإِشْهَادُ) عِنْدَ الِالْتِقَاطِ عَلَى أَنَّهُ الْتَقَطَهُ، خَوْفَ طُولِ الزَّمَانِ فَيَدَّعِي الْوَلَدِيَّةَ أَوْ الِاسْتِرْقَاقَ (وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ فَأَوْلَى الْقِنُّ
(الْتِقَاطٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتَانِ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ) ظَاهِرُهُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ حَيْثُ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ سُئِلَ أَهْلُ الْبَيْتَيْنِ فَجَزَمُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى إسْلَامِ الْمَسْبِيِّ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يُنْكِرَانِ لِنَبْذِهِمَا إيَّاهُ وَاسْتَظْهَرَ عج أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا اهـ عبق. (قَوْلُهُ: وَالْبَيْتُ كَالْبَيْتَيْنِ) أَيْ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ح مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ كَالْمُصَنِّفِ كَمَا فِي بْن.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشِّرْكِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ قُرَى الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ: فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ نَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ يَكُونُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ الْتَقَطَهُ كَافِرٌ كَانَ عَلَى دِينِهِ قَالَ بْن وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَهُ) أَيْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَامَهَا لَحِقَ بِهِ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، أَوْ كُفْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ لَهُ - الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ - الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ، كَانَ الْمُلْتَقِطُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ.
وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُسْتَلْحِقَ لِلَّقِيطِ إمَّا مُلْتَقِطُهُ، أَوْ غَيْرُهُ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُسْتَلْحِقُ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، أَوْ بِكُفْرِهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ إنْ أَقَامَ الْمُسْتَلْحِقُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّ هَذَا اللَّقِيطَ وَلَدُهُ لَحِقَ بِهِ. (قَوْلُهُ: فَيَلْحَقُ بِصَاحِبِ الْوَجْهِ الْمُدَّعَى) اُنْظُرْ هَلْ لُحُوقُهُ بِهِ فِي الثَّمَانِ صُوَرٍ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ وتت وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ، أَوْ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا فَقَطْ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ مُسْلِمًا كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ، أَوْ غَيْرُهُ، كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، أَوْ بِكُفْرِهِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَنَحْوُهُ فِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ قَائِلًا وَأَمَّا إذَا اسْتَلْحَقَهُ ذِمِّيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ - مِنْ أَنَّ الْأَبَ يَسْتَلْحِقُ مَجْهُولَ النَّسَبِ - عَدَمُ تَوَقُّفِ الِاسْتِلْحَاقِ هُنَا عَلَى الْبَيِّنَةِ أَوْ الْوَجْهِ.
قُلْت: قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ خَالَفَ هُنَا أَصْلَهُ؛ إذْ مُقْتَضَى أَصْلِهِ أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ هُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيِّنَةٍ، أَوْ وَجْهٍ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: لِمَوْضِعِهِ) أَيْ وَلَا لِمَوْضِعٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَخْذِهِ) بِنِيَّةِ حِفْظِهِ، أَوْ بِلَا نِيَّةِ حِفْظِهِ وَلَا رَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ لِلنَّاسِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى هَلَاكُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ رَدُّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ لِعَدَمِ أَخْذِهِ لِلْحِفْظِ فَلَمْ يَشْرَعْ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ حَتَّى يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْضِعُ مَطْرُوقًا بِأَنْ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُهُ) فِي الْكَلَامِ نَقْصٌ أَيْ حَرُمَ رَدُّهُ فَإِنْ رَدَّهُ وَمَاتَ فَإِنْ تَحَقَّقَ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ) أَيْ فِي أَخْذِهِ أَيْ فِي أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدٌ، أَوْ لَا يَأْخُذَهُ فَالدِّيَةُ وَانْظُرْ هَلْ دِيَةُ خَطَأٍ، أَوْ عَمْدٍ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهَا دِيَةُ عَمْدٍ. (قَوْلُهُ: لِيَسْأَلَ مُعَيَّنًا هَلْ هُوَ وَلَدُهُ أَمْ لَا) أَيْ فَإِذَا قَالَ لَهُ لَيْسَ وَلَدِي جَازَ لَهُ رَدُّهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَاحَمَهُ عَنْهُ الْآخَرُ وَأَخَذَهُ) أَيْ فَيُنْزَعُ مِنْ ذَلِكَ الْمُزَاحِمِ وَيُدْفَعُ لِلْأَسْبَقِ. (قَوْلُهُ: قُدِّمَ الْأَوْلَى) أَيْ فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ نُزِعَ مِنْهُ وَدُفِعَ لِلْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَكُنْ أَوْلَى بِأَنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي الْأَصْلَحِيَّةِ وَوَضْعِ الْيَدِ.

(قَوْلُهُ: خَوْفَ طُولِ الزَّمَانِ) عِلَّةٌ وَهِيَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَنْبَغِي الْإِشْهَادُ أَيْ إذَا كَانَ يَخَافُ أَنَّهُ عِنْدَ طُولِ الزَّمَانِ يَدَّعِي مَا ذُكِرَ فَإِنْ تَحَقَّقَ، أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ دَعْوَى ذَلِكَ وَجَبَ الْإِشْهَادُ وَاللُّقَطَةُ كَاللَّقِيطِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ

الصفحة 126