كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(مُسْتَشِيرٍ) لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمَسَائِلِ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّ الصَّوَابَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ بَلْ رُبَّمَا ظَهَرَ الصَّوَابُ عَلَى يَدِ جَاهِلٍ.

(بِلَا دَيْنٍ) عَلَيْهِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ.

(وَ) بِلَا (حَدٍّ) أَيْ يُنْدَبُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي زِنًا، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ أَحَطُّ مِنْ رُتْبَةِ الْمَدِينِ عِنْدَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ أَنَّهُ تَابَ.

(وَ) بِلَا (زَائِدٍ) أَيْ زِيَادَةٍ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهَا (فِي الدَّهَاءِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ هُوَ جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَالرَّأْيِ فَالْمَطْلُوبُ الدَّهَاءُ وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَكُونَ زَائِدًا فِيهِ عَنْ عَادَةِ النَّاسِ خَشْيَةَ أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْفِرَاسَةِ وَتَرْكِ قَانُونِ الشَّرِيعَةِ مِنْ طَلَبِ الْبَيِّنَةِ وَتَجْرِيحِهَا وَتَعْدِيلِهَا وَطَلَبِ الْيَمِينِ مِمَّنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(وَ) بِلَا (بِطَانَةِ سُوءٍ) أَيْ يُتَّهَمُ مِنْهَا السُّوءُ، وَإِلَّا فَالسَّلَامَةُ مِنْهَا وَاجِبَةٌ وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ فِي شَأْنِهِ.

(وَ) نُدِبَ لِلْقَاضِي (مَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ لَهُ) فِي غَيْرِ رُكُوبٍ بَلْ يَسْتَعْمِلُ الِانْفِرَادَ مَا أَمْكَنَ إذْ كَثْرَةُ الِاجْتِمَاعِ لَا خَيْرَ فِيهَا مَعَ اتِّهَامِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إلَّا لِضَرُورَةِ خَادِمٍ وَمُعِينٍ فِي أَمْرٍ مِنْ الْخُصُومَاتِ وَرَفْعِ الظُّلَامَاتِ وَلِذَا قَالَ (وَ) نُدِبَ لَهُ (تَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ) مِنْ عِنْدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ غَالِبًا مِنْ تَعْلِيمِ الْأَخْصَامِ التَّحَيُّلَ وَقَلْبَ الْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْعِدَ عَنْهُ مَنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ.

(وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ) مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحِ (بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ) مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ فَيَحْمَدُ اللَّهَ فِي الْأَوَّلِ وَيَتَنَحَّى فِي الثَّانِي أَوْ يُبَيِّنُ وَجْهَ الْحَقِّ لِلنَّاسِ (وَ) بِمَا يُقَالُ فِي (حُكْمِهِ وَشُهُودِهِ) لِيَعْمَلَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ إبْقَاءٍ، أَوْ عَزْلٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ.

(وَ) نُدِبَ لَهُ (تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْحُكْمُ لِنَفْسِهِ خَشْيَةَ انْتِهَاكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الزِّنَا لِعَدَمِ شَهَادَتِهِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: مُسْتَشِيرٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمَسَائِلِ) أَيْ الدَّقِيقَةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا النَّصُّ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ قَالَ بْن إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ بَعْدُ " وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ وَشَاوَرَهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ كَانَ مُخَالِفًا لِهَذَا وَإِنْ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ كَانَ تَكْرَارًا مَعَ هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُخْتَارَ الثَّانِي وَالْمُرَادُ أَنْ يُوَلَّى مَنْ شَأْنُهُ الِاسْتِشَارَةُ وَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِرَأْيِهِ فِي الْأُمُورِ وَالْآتِي مَعْنَاهُ يُنْدَبُ لَهُ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الشَّأْنِ فِي كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ، أَوْ يُخْتَارَ الْأَوَّلُ وَالْمَعْنَى وَنُدِبَ تَوْلِيَةُ مَنْ شَأْنُهُ الِاسْتِشَارَةُ لِلْعُلَمَاءِ وَمَعْنَى الْآتِي وَوَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ الْعَمَلُ بِهَذَا الشَّأْنِ فِي كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ يَحْتَاجُ لِدِقَّةِ النَّظَرِ فِيهِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: بِلَا دَيْنٍ) لَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ " غَنِيٍّ " لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا بِأَشْيَاءَ إنَّمَا تَأْتِي لَهُ عِنْدَ تَمَامِ عَامٍ فَيَحْتَاجُ لِلدَّيْنِ فَذَكَرَ هُنَا أَنَّ مِنْ مَنْدُوبَاتِهِ كَوْنَهُ بِلَا دَيْنٍ.

. (قَوْلُهُ: أَيْ يُنْدَبُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمَحْدُودِ جَائِزَةٌ وَأَنَّ حُكْمَهُ نَافِذٌ وَظَاهِرُهُ قَضَى فِيمَا حُدَّ فِيهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَوْ تَابَ وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ إذَا تَابَ وَإِلَّا فَلَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْقَضَاءِ يُقْبَلُ مِنْ الْقَاضِي فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ فِي ذَلِكَ اسْتِنَادُ الْقَاضِي لِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَبَعُدَتْ التُّهْمَةُ فِي الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ إلَخْ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ تَابَ أَيْ إنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَدْبِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَحْدُودٍ حَكَمَ فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَمْ لَا مَوْضُوعُهُ أَنَّهُ تَابَ مِمَّا حُدَّ فِيهِ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا كَانَ فَاسِقًا لَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهَا) قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ أَنَّ الْمَعْنَى وَبِلَا عَقْلٍ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ أَيْ فِي جَوْدَةِ الرَّأْيِ وَالْفِكْرِ. (قَوْلُهُ: هُوَ جَوْدَةُ الذِّهْنِ) أَيْ وَهُوَ الْفَطَانَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَبِلَا زِيَادَةٍ فِي الْفَطَانَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالسَّلَامَةُ مِنْهَا) أَيْ وَإِلَّا نَقُلْ يُتَّهَمُ فِيهَا السُّوءُ بَلْ قُلْنَا الْمُرَادُ وَبِلَا بِطَانَةٍ مُحَقَّقَةِ السُّوءِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ أَيْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُحَقَّقَةِ السُّوءِ وَاجِبَةٌ لَا مَنْدُوبَةٌ. (قَوْلُهُ: وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى الْمُصَنِّفِ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ فِي أُمُورِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ لَا مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِالسُّوءِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْعُ الرَّاكِبِينَ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ الَّذِينَ كَانُوا يَرْكَبُونَ مَعَهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ مِنْ رُكُوبِهِمْ مَعَهُ بَعْدَهَا وَكَذَلِكَ الْمُصَاحِبُونَ لَهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ فِي غَيْرِ الرُّكُوبِ يُنْدَبُ لَهُ تَرْكُ مُصَاحَبَتِهِمْ بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّهَامِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي إلَخْ) أَيْ فَيَمْتَنِعُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ مِنْ طَلَبِهِ. (قَوْلُهُ: تَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ) أَيْ تَقْلِيلُ الْأَعْوَانِ الَّذِينَ اتَّخَذَهُمْ لِإِعَانَتِهِ كَالرُّسُلِ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمْ الْقَاضِي لِإِحْضَارِ خَصْمٍ، أَوْ سَمَاعِ دَعْوَةٍ نِيَابَةً عَنْهُ، أَوْ سَمَاعِ شَهَادَةٍ. (قَوْلُهُ: وَقَلْبَ الْأَحْكَامِ) أَيْ تَغْيِيرَ الْحَالَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وُقُوعُ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُبْعِدَ عَنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَعْوَانِ مَنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ أَيْ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ سُوءُهُمْ وَضَرَرُهُمْ بِالنَّاسِ.

(قَوْلُهُ: وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ إلَخْ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَّخِذَ شَخْصًا مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحِ يُرْسِلُهُ يَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا يَسْمَعُ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ فِي الْقَاضِي وَفِي حُكْمِهِ وَفِي شُهُودِهِ وَيَأْتِيهِ يُخْبِرُهُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُمْ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهِ، أَوْ سُخْطٍ. (قَوْلُهُ: فِي سِيرَتِهِ) أَيْ غَيْرِ حُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: بِمُقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ الْإِخْبَارِ وَقَوْلُهُ: مِنْ إبْقَاءٍ أَيْ لِلشُّهُودِ أَوْ عَزْلِهِمْ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ أَيْ أَوْ أَمْرٍ لَهُمْ بِفِعْلِ مَا هُوَ لَائِقٌ وَنَهْيٍ لَهُمْ عَمَّا لَيْسَ بِلَائِقٍ.

(قَوْلُهُ: وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ كَقَوْلِهِ لَهُ ظَلَمْتَنِي، أَوْ كَذَبْتَ عَلَيَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَدِّبُهُ إذَا قَالَهُمَا لِلْخَصْمِ، أَوْ لِشَاهِدٍ وَأَمَّا إذَا قَالَ: يَا ظَالِمُ

الصفحة 132