كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَحُرْمَةِ الْحَاكِمِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُسْتَنَدُ فِيهِ لِعِلْمِهِ وَالتَّأْدِيبُ بِمَا يَرَاهُ أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ غَيْرُهُ: لَا بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ وَإِنْ شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَلْ يَرْفَعُهُ لِغَيْرِهِ إنْ شَاءَ وَالْعَفْوُ أَوْلَى (إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي) ، أَوْ خَفْ اللَّهَ، أَوْ اُذْكُرْ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ (فَلْيَرْفُقْ بِهِ) فَلَا يَجُوزُ تَأْدِيبُهُ وَمِنْ الْإِرْفَاقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْتَ قَدْ لَزِمَك الْإِقْرَارُ بِقَوْلِك كَذَا، أَوْ أَنْتَ قَدْ رَضِيتَ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ عَلَيْك فَكَيْفَ تَجْحَدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَطْلُبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عَلَيْك وَالْإِمْهَالَ.

(وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُوَلَّى مِنْ الْخَلِيفَةِ وَلَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى اسْتِخْلَافٍ وَلَا عَدَمِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَوْ اتَّسَعَ عَمَلُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ مُسْتَخْلَفِهِ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ هُوَ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَ عَمَلُهُ فَيَجُوزَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لَكِنْ (فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) عَنْهُ بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ يَشُقُّ إحْضَارُ الْخُصُومِ مِنْهَا إلَى مَحَلِّهِ (مَنْ) أَيْ يَسْتَخْلِفُ رَجُلًا (عَلِمَ مَا اُسْتُخْلِفَ فِيهِ) فَقَطْ فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَإِذَا اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ فَقَطْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَجَبَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ وَهَكَذَا.

(وَانْعَزَلَ) الْمُسْتَخْلَفُ بِالْفَتْحِ (بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ وَبِعَزْلِهِ وَنَصَّ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ أَنَّ عَزْلَهُ كَذَلِكَ أَيْ يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ بِعَزْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي بَغْتَةً لَمْ يَنْعَزِلْ النَّائِبُ بِمَوْتِ مُوَلِّيهِ وَلَا يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِمَوْتِ الْقَاضِي إذَا جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ الِاسْتِخْلَافَ، أَوْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ خِلَافًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ (لَا هُوَ) أَيْ لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي (بِمَوْتِ الْأَمِيرِ) الَّذِي وَلَّاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يَا كَاذِبُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّبُهُ مُطْلَقًا قَالَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي، أَوْ لِلْخَصْمِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَدْبِ تَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَالْمُنْتَقِمِ لِنَفْسِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبُ التَّأْدِيبِ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَسَاءَ عَلَى الْقَاضِي وَأَمَّا إذَا أَسَاءَ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ كَشَاهِدٍ، أَوْ خَصْمٍ كَانَ الْأَدَبُ وَاجِبًا قَطْعًا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: وَحُرْمَةِ) عَطْفٌ عَلَى " مَجْلِسِ ". (قَوْلُهُ: وَنَصَّ غَيْرُهُ) أَيْ كَابْنِ عَاصِمٍ فِي مَتْنِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ:
وَمَنْ جَفَا الْقَاضِيَ فَالتَّأْدِيبُ ... أَوْلَى وَذَا لِشَاهِدٍ مَطْلُوبُ
أَيْ فَالتَّأْدِيبُ أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ، وَذَلِكَ التَّأْدِيبُ مَطْلُوبٌ أَيْ وَاجِبٌ إذَا أَسَاءَ عَلَى شَاهِدٍ أَيْ أَوْ خَصْمٍ. (قَوْلُهُ: لَا بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ) أَيْ لَا يُنْدَبُ لَهُ تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ. (قَوْلُهُ: فَلْيَرْفُقْ بِهِ) أَيْ نَدْبًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْدِيبُهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي آيَةِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206] . الْآيَةَ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْإِرْفَاقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إلَخْ) أَيْ وَمِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا لَا أُرِيدُ إلَّا الْحَقَّ، أَوْ رَزَقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ تَقْوَاهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنُصَّ إلَخْ) أَمَّا لَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَوْ لِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ فِي الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ فَإِنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِهِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ وَلَوْ فِي الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ وَلَوْ لِعُذْرٍ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْعُرْفَ بِالِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ كَالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا قَالَ الْأَخَوَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ الْقَائِلِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَوْ لِمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ) لَكِنَّهُ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ عَنْهُ كَانَ لِعُذْرٍ أَمْ لَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ إمَّا أَنْ يَنُصَّ لِلْقَاضِي عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، أَوْ عَلَى عَدَمِهِ، أَوْ لَا يَنُصَّ عَلَى وَاحِدٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِعُذْرٍ، أَوْ لِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ، أَوْ بَعِيدَةٍ مِنْهُ فَإِنْ نَصَّ لَهُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ جَازَ مُطْلَقًا لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِهِ فِي الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ وَالْبَعِيدَةِ وَإِنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِهِ مُنِعَ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ قَرِيبَةً فَالْمَنْعُ إذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ بَعِيدَةً فَالْجَوَازُ كَانَ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلِفُ بِالْكَسْرِ وَقْتَ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَمِثْلُ الِاسْتِخْلَافِ الْعَزْلُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ) أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: مَنْ عَلِمَ إلَخْ) أَيْ وَإِذَا اسْتَخْلَفَ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ رَجُلًا عَلِمَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَانْعَزَلَ الْمُسْتَخْلَفُ) أَيْ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ الْقَاضِي بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ أَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ لِنَصِّ الْخَلِيفَةِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ جَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَلَا بِعَزْلِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَمِثْلُهُمَا مَنْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي لِلنَّظَرِ عَلَى أَيْتَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ وَلَا بِعَزْلِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ إلَخْ) أَيْ فَالْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ) قَدْ يُقَالُ إنَّ مَوْضُوعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ الِاسْتِخْلَافُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ هَذَا فَلَيْسَ كَلَامُهُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: لَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ إمَارَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ سَلْطَنَةً أَوْ غَيْرَهَا وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ الْخَلِيفَةَ وَلَيْسَ

الصفحة 133