كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(وَلَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ الَّذِي وَلَّاهُ (الْخَلِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ نَفْسِ الْخَلِيفَةِ بِخِلَافِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْ نَفْسِ الْقَاضِي فَلِذَا انْعَزَلَ بِمَوْتِهِ وَأَمَّا لَوْ عَزَلَهُ الْأَمِيرُ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ قَطْعًا وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَزْلَهُ.

(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) أَيْ الْقَاضِي إذَا شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ عَزْلِهِ (أَنَّهُ) كَانَ (قَضَى بِكَذَا) وَلَا مَفْهُومَ لِلظَّرْفِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْعَزْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ.

(وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ نَصْبُ قَاضٍ مُتَعَدِّدٍ يَسْتَقِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَةٍ يَحْكُمُ فِيهَا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْفِقْهِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ حُكْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حُكْمِ الْآخَرِ كَقَاضِي رَشِيدٍ وَقَاضِي الْمَحَلَّةِ وَقَاضِي قَلْيُوبَ، أَوْ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ بِبَلَدٍ (أَوْ خَاصٍّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ مَنْ لَهُ إمَارَةٌ غَيْرُ السَّلْطَنَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمُبَالَغَةِ حِينَئِذٍ؛ إذْ شَرْطُهَا صِدْقُ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْخَلِيفَةَ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ الَّذِي وَلَّاهُ غَيْرَ الْخَلِيفَةِ بَلْ وَلَوْ كَانَ الْأَمِيرُ الَّذِي وَلَّاهُ، ثُمَّ مَاتَ هُوَ الْخَلِيفَةَ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ نَائِبًا عَنْ نَفْسِ الْخَلِيفَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يُوَلِّهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِمَصَالِحِ النَّاسِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ إشَارَةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ الْقَاضِي فِي جِهَةٍ بَعِيدَةٍ حَيْثُ انْعَزَلَ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْقَاضِي حَيْثُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاهٍ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْ الْخَلِيفَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيفَةِ عَزْلُهُ؛ كَيْفَ وَأَصْلُ الْقَضَاءِ لِلْخُلَفَاءِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْخَلِيفَةِ فَلِمَ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي نَائِبِ الْقَاضِي.
فَإِنْ قُلْتَ: إنَّ ذَلِكَ لِلتَّخْفِيفِ عَنْ الْقَاضِي. قُلْتُ: السُّلْطَانُ أَيْضًا إنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْضِيَ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ عَنْ نَفْسِهِ اهـ اُنْظُرْ بْن وَلِذَا اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّ خَلِيفَةَ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي وَلَا بِمَوْتِهِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ خِلَافًا لَلْمُصَنِّفِ وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي المج عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَزْلَهُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ حَكَمَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ عَزْلُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَافِذًا لِضَرُورَةِ النَّاسِ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَانْظُرْ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْقَاضِي مَعْلُومَ الْقَضَاءِ مِنْ يَوْمِ وِلَايَتِهِ إذَا وَلِيَ بِبَلَدٍ يَحْتَاجُ لِسَفَرٍ، أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ فَالْمَعْلُومُ لِلْمَعْزُولِ إلَى يَوْمِ بُلُوغِهِ اهـ وَاسْتَظْهَرَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ الثَّانِيَ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَهُ) أَيْ وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْقَبُولِ مَا إذَا قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ شَهِدَ عِنْدِي شَاهِدَانِ بِكَذَا وَقَدْ كُنْت قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنِّي حُكْمٌ وَلِلطَّالِبِ حِينَئِذٍ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَطْلُوبَ أَنَّهُ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ حَلَفَ رَجَعَ الطَّالِبُ لِدَعْوَةٍ جَدِيدَةٍ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَفْهُومُ شَهَادَتِهِ أَنَّ إخْبَارَ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا يُقْبَلُ قَبْلَ عَزْلِهِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إخْبَارَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ لِتَقَدُّمِ دَعْوَى لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لَا قَبْلَ الْعَزْلِ وَلَا بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ وَالْخِطَابِ بِأَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إخْبَارَهُ دَعْوَى قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ فَإِنْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِحَقٍّ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ مَثَلًا وَإِنَّ قَاضِيَ الْجِيزَةِ حَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ الْحَقِّ فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَحَضَرَ قَاضِي الْجِيزَةِ لِمِصْرِ وَشَهِدَ عِنْدَ قَاضِيهَا بِأَنَّهُ قَضَى، أَوْ حَكَمَ بِكَذَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَانَ قَاضِي الْجِيزَةِ إذْ ذَاكَ مَعْزُولًا، أَوْ غَيْرَ مَعْزُولٍ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَاضِي الْجِيزَةِ أَرْسَلَ لِقَاضِي مِصْرَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا، أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مُشَافَهَةً قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ التَّدَاعِي عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ مِنْ قَاضِي الْجِيزَةِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَعْزُولٍ لَا إنْ كَانَ مَعْزُولًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ قَضَيْت بِكَذَا إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِقْرَارُ الشَّخْصِ إنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْعَزْلِ أَيْضًا) أَيْ وَلَوْ انْضَمَّ لَهُ شَخْصٌ آخَرُ فِي الشَّهَادَةِ.

(قَوْلُهُ: يَسْتَقِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَةٍ يَحْكُمُ فِيهَا إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا إنَّمَا مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ نُفُوذُ حُكْمِهِ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ كَمَا سَيَقُولُ، وَحَاصِلُ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ تَوْلِيَةُ قُضَاةٍ مُتَعَدِّدِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُسْتَقِلٌّ - أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ - عَامٌّ حُكْمُهُ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، أَوْ بِبَعْضِهَا، وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا تَوْلِيَةُ مُتَعَدِّدِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُسْتَقِلٌّ لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِنَاحِيَةٍ يَحْكُمُ فِيهَا بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ الْبَعْضُ كَذَا وَالْبَعْضُ كَذَا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فَلَا يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ التَّشْرِيكُ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ بَلْ وَلَوْ كَانَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِحَيْثُ تَوَقَّفَ حُكْمُ كُلٍّ عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَكُونُ نِصْفَ حَاكِمٍ كَذَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا قَالَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقُضَاةِ وَأَمَّا تَحْكِيمُ شَخْصَيْنِ فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ فِي تَحْكِيمِهِمَا أَبَا مُوسَى وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ.
(تَنْبِيهٌ) أَشْعَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ تَعَدُّدِ الْقَاضِي بِمَنْعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ

الصفحة 134