كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَيْ مُسْتَقِلٍّ عَامٍّ فِي النَّوَاحِي، أَوْ الْأَحْكَامِ، أَوْ خَاصٍّ (بِنَاحِيَةٍ) كَالْغَرْبِيَّةِ أَوْ الْمَنُوفِيَّةِ بِمِصْرَ (أَوْ نَوْعٍ) أَيْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالْأَنْكِحَةِ، أَوْ الْبُيُوعِ أَوْ الْفَرَائِضِ.

(وَ) إذَا تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّفْعَ لِقَاضٍ وَأَرَادَ الْآخَرُ الرَّفْعَ لِقَاضٍ آخَرَ كَانَ (الْقَوْلُ لِلطَّالِبِ) وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ دُونَ الْمَطْلُوبِ (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ طَالِبٌ مَعَ مَطْلُوبٍ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ يُطَالِبُ صَاحِبَهُ رُفِعَ إلَى (مَنْ) أَيْ قَاضٍ (سَبَقَ رَسُولُهُ) لِطَلَبِ الْإِتْيَانِ عِنْدَهُ (وَإِلَّا) يَسْبِقْ رَسُولُ قَاضٍ بَلْ اسْتَوَيَا فِي الْمَجِيءِ مَعَ دَعْوَى كُلٍّ أَنَّهُ الطَّالِبُ (أُقْرِعَ) لِلْقَاضِي الَّذِي يَذْهَبَانِ إلَيْهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ لِلذَّهَابِ لَهُ ذَهَبَا لَهُ (كَالِادِّعَاءِ) أَيْ كَمَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الِادِّعَاءِ بَعْدَ إتْيَانِهِمَا لِلْقَاضِي الَّذِي أَقْرَعَا فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ، أَوْ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى الذَّهَابِ لَهُ، ثُمَّ تَنَازَعَا فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَى؛ إذْ الْمَوْضُوعُ أَنَّ كُلًّا طَالِبٌ وَسَيَأْتِي لَهُ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ، وَأُمِرَ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ، قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ وَإِلَّا فَالْجَالِبُ، وَإِلَّا أُقْرِعَ.

(وَ) جَازَ لِمُتَدَاعِيَيْنِ (تَحْكِيمُ) رَجُلٍ (غَيْرِ خَصْمٍ) مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ قَاضٍ لَهُ يُحَكِّمَانِهِ فِي النَّازِلَةِ بَيْنَهُمَا لَا تَحْكِيمُ خَصْمٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (وَ) غَيْرِ (جَاهِلٍ وَكَافِرٍ) وَأَمَّا الْجَاهِلُ وَالْكَافِرُ فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُمَا (وَغَيْرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَاعَدَتْ الْأَقْطَارُ جِدًّا لِإِمْكَانِ النِّيَابَةِ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ النِّيَابَةُ لِتَبَاعُدِ الْأَقْطَارِ جِدًّا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ) أَيْ لَا بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " تَعَدُّدُ " وَلَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " مُسْتَقِلٍّ "؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ كُلٌّ يُطَالِبُ صَاحِبَهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ وَاحِدًا وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَيُطَالِبُ الْآخَرَ بِهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ رُفِعَ إلَى مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ لِطَلَبِ الْإِتْيَانِ عِنْدَهُ) فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِقَاضٍ وَذَهَبَ الْآخَرُ لِقَاضٍ آخَرَ فَأَرْسَلَ كُلُّ قَاضٍ عَوْنَهُ لِمَنْ لَمْ يَأْتِهِ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَالْحَقُّ بِهِ فِي إقَامَةِ الدَّعْوَى عِنْدَ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُدَّعَى بِهِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يُطَالِبُ الْآخَرَ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَأَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ مُغَايِرٍ لِمَا يَدَّعِي بِهِ الْآخَرُ فَفِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ وَابْنِ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْقُضَاةِ فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ قَاضٍ وَفَرَغَ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالطَّلَبِ، أَوْ فِيمَنْ يَذْهَبَانِ إلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ الْقَاضِيَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا لِقَاضٍ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِقَاضٍ فَالْمُعْتَبَرُ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ مِنْ الْقُضَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِسَبْقِ الطَّلَبِ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا اهـ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ طَالِبًا إنَّمَا يُعْتَبَرُ سَبْقُ الرَّسُولِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالطَّلَبِ وَفِيمَنْ يَذْهَبَانِ إلَيْهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِقَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي الَّذِي يَدَّعِي عِنْدَهُ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى لَيْسَ قَوْلَهُ: مُجَرَّدًا عَنْ مُصَدِّقٍ وَلَمْ يَجْلُبْ خَصْمَهُ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي إلَخْ) حَاصِلُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُدَّعِي وَهُوَ مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ: عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَا الْمُدَّعِي قُدِّمَ الْجَالِبُ لِصَاحِبِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِرَسُولِ الْقَاضِي بِالْكَلَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا جَالِبًا - وَالْحَالُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُدَّعِي - أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالْكَلَامِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: إذْ الْمَوْضُوعُ أَنَّ كُلًّا يَدَّعِي أَنَّهُ طَالِبٌ لَصَحَّ قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي إلَخْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَتَحْكِيمُ رَجُلٍ غَيْرِ خَصْمٍ) أَيْ تَحْكِيمُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْهُمَا مُغَايِرٍ لِكُلٍّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ التَّحْكِيمُ لِشُهُودٍ تَشْهَدُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِأَنَّهُمَا حَكَّمَاهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ قَاضٍ لَهُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُحَكَّمُ مُوَلًّى مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَكَأَنَّ الْحُكْمَ وَاقِعٌ مِنْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: لَا تَحْكِيمُ خَصْمٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ حَكَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ خَصْمَهُ فَحَكَمَ لِنَفْسِهِ، أَوْ عَلَيْهَا جَازَ تَحْكِيمُهُ ابْتِدَاءً وَمَضَى حُكْمُهُ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ جَوْرًا وَقِيلَ يُكْرَهُ تَحْكِيمُهُ ابْتِدَاءً إنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَصْمُ الْمُحَكَّمُ هُوَ الْقَاضِيَ وَيَمْضِي حُكْمُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ إنْ كَانَ غَيْرَ جَوْرٍ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَصْمُ الْمُحَكَّمُ هُوَ الْقَاضِيَ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ جَوْرًا، أَوْ غَيْرَ جَوْرٍ وَالْأَوَّلُ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ أَصْبَغَ وَالثَّالِثُ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَخَوَيْنِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ " لَا تَحْكِيمُ خَصْمٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْفُذُ " لَا يُؤْخَذُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ جَوْرًا فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، أَوْ بِمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الْجَارِيَ فِي تَحْكِيمِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ جَارٍ فِي تَحْكِيمِ الْأَجْنَبِيِّ فَقِيلَ بِجَوَازِهِ وَنُفُوذِ حُكْمِهِ وَقِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ وَعَدَمِ نُفُوذِ حُكْمِهِ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ " غَيْرِ خَصْمٍ " وَيَقُولَ وَجَازَ تَحْكِيمُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَكَافِرٍ إلَخْ وَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى مَا لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ مِنْ الْجَوَازِ ابْتِدَاءً سَوَاءٌ كَانَ الْمُحَكَّمُ أَجْنَبِيًّا، أَوْ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ كَانَ قَاضِيًا أَمْ لَا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِ)

الصفحة 135