كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(مُمَيِّزٍ) عَطْفٌ عَلَى " خَصْمٍ " كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فَالْمَعْنَى وَتَحْكِيمُ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَهُوَ الْمُمَيِّزُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَجَازَ تَحْكِيمُ مُمَيِّزٍ وَأَتَى بِغَيْرِ هُنَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى خَصْمٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَوْ قَالَ " وَتَحْكِيمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ عَالِمٍ مُمَيِّزٍ " لَكَانَ أَوْضَحَ وَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا سَيَذْكُرُهُ كَالْمَرْأَةِ.

وَجَوَازُ التَّحْكِيمِ إنَّمَا يَكُونُ (فِي مَالٍ وَجُرْحٍ) وَلَوْ عَظُمَ فَإِنْ حَكَّمَا خَصْمًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ كَافِرًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فَإِنْ حَكَمَ وَلَمْ يُصِبْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ النَّقْلِ فَإِنْ سَأَلَ الْجَاهِلُ عَالِمًا فَأَرَاهُ وَجْهَ الْحَقِّ فَحَكَمَ بِهِ لَمْ يَكُنْ حُكْمَ جَاهِلٍ (لَا) فِي (حَدٍّ) مِنْ سَائِرِ الْحُدُودِ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ وَقَتْلٍ وَوَلَاءٍ) لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ (وَنَسَبٍ) كَذَلِكَ (وَ) لَا فِي (طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) فَيَمْتَنِعُ التَّحْكِيمُ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إمَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا لِآدَمِيٍّ كَمَا فِي اللِّعَانِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ النَّسَبِ وَأَمَّا الْحَدُّ وَالْقَتْلُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَالْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَائِنًا لَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا فِي الْعِصْمَةِ وَلَا يَجُوزُ رَدُّ الْعَبْدِ لِلرِّقِّ وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ.

(وَمَضَى) حُكْمُهُ فِي أَحَدِ هَذِهِ السَّبْعَةِ (إنْ حَكَمَ صَوَابًا) فَلَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَتَرَكَ هُنَا بَعْضَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا فِي الْحَجْرِ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يُحَكَّمُ فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْحُبْسِ الْمُعَقَّبِ وَأَمْرِ الْغَائِبِ وَمَالِ يَتِيمٍ إلَخْ وَزَادَ هُنَا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَاللِّعَانَ.

(وَأُدِّبَ) أَيْ إذَا اسْتَوْفَى وَأَمَّا إذَا حَكَمَ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَا حَكَمَ بِهِ فَلَا أَدَبَ.

(وَفِي) صِحَّةِ حُكْمِ (صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ (وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَفَاسِقٍ) أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مُمَيِّزٍ) يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ: قَبْلُ " وَجَاهِلٍ "؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ جَاهِلٍ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَوْلَى اهـ بْن وَقَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ اللُّزُومَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَعْتُوهًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ) أَيْ عَطْفُ مُمَيِّزٍ عِنْدَ حَذْفِ " غَيْرِ " وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ عَطْفُهُ عَلَى خَصْمٍ أَيْ لِتَجْرِيَ الْمَعْطُوفَاتُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ) أَيْ بِقَوْلِنَا " رَجُلٍ " الصَّبِيُّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّحْكِيمِ) أَيْ تَحْكِيمِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُسْلِمِ الْعَالِمِ الْمُمَيِّزِ إنَّمَا يَكُونُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَجَرْحٍ) أَيْ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَظُمَ أَيْ كَقَطْعِ يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ) أَيْ وَلَوْ وَافَقَ الصَّوَابَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَقَدْ عَلِمْت النَّقْلَ فِيمَا إذَا حَكَّمَا خَصْمًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَكَمَ وَلَمْ يُصِبْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ) أَيْ فَإِذَا حَكَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَتَرَتَّبَ عَلَى حُكْمِهِ إتْلَافٌ فَإِنْ كَانَ لِعُضْوٍ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إتْلَافُ مَالٍ كَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ. (قَوْلُهُ: أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا خُصُومَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ كَمَا قَالَ عبق وخش. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي اللِّعَانِ. . . إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْوَلَدِ بِقَطْعِ نَسَبِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْخَصْمَيْنِ - أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ - وَكَذَلِكَ النَّسَبُ إذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَبِ وَرَجُلٍ آخَرَ فَالْأَبُ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَيْسَ ابْنِي وَالرَّجُلُ الْآخَرُ يَقُولُ إنَّهُ ابْنُك أَمَّا لَوْ كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَلَدِ فَالْحَقُّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ الْحَقُّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَرَجُلٍ آخَرَ فِي الشَّخْصِ الْمَعْتُوقِ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَمَّا إذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْمَعْتُوقِ كَانَ الْحَقُّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ) أَرَادَ بِالْحُدُودِ مَا يَشْمَلُ الْقَتْلَ قِصَاصًا.

(قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ هَذِهِ السَّبْعَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ إذَا حَكَمَ فِيمَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجْرِ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ وَكَانَ حُكْمُهُ صَوَابًا أَنَّهُ لَا يَمْضِي وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنَّ الَّذِي كَانَ يُقَرِّرُهُ شُيُوخُ عج أَنَّهُ يَمْضِي أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ نَقْلُ التَّوْضِيحِ كَمَا فِي بْن.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُخْتَصًّا بِالْقُضَاةِ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَحَكَمَ فِيهِ الْمُحَكَّمُ وَكَانَ حُكْمُهُ صَوَابًا فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْضُهُ وَأَمَّا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالسُّلْطَانِ كَالْإِقْطَاعَاتِ فَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهِ غَيْرُ مَاضٍ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الرُّشْدِ إلَخْ) نَصُّ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْحُبْسِ الْمُعَقَّبِ وَأَمْرِ الْغَائِبِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَحَدٍّ وَقِصَاصٍ وَمَالِ يَتِيمٍ الْقُضَاةُ، فَهَذِهِ عَشَرَةٌ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَعْضَهَا وَهُوَ الْحَدُّ وَالْقَتْلُ وَالنَّسَبُ وَالْوَلَاءُ وَزَادَ عَلَيْهَا هُنَا ثَلَاثَةً اللِّعَانَ وَالطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ فَجُمْلَةُ مَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْقَاضِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ.

(قَوْلُهُ: وَأُدِّبَ) أَيْ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ: أَيْ إذَا اسْتَوْفَى أَيْ إذَا حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ لِمَا حَكَمَ بِهِ بِأَنْ قَتَلَ، أَوْ حَدَّ، أَوْ اقْتَصَّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَدَبَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا نَفَّذَ الْحُكْمَ أَمَّا إذَا حَكَمَ وَلَمْ يُنَفِّذْ مَا حَكَمَ بِهِ فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ بَلْ يُزْجَرُ أَيْ يُعَزَّرُ فَقَطْ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِقَتْلٍ فَعُفِيَ عَنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَدَبِهِ مُطْلَقًا اُنْظُرْ ح. (قَوْلُهُ: فَلَا أَدَبَ) أَيْ وَيُزْجَرُ وَيُعَزَّرُ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ حُكْمِ صَبِيٍّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَعَدَمِهَا كَمَا ذَكَرَ شَارِحُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمَوَّاقِ وَأَمَّا تَحْكِيمُ مَنْ ذُكِرَ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ابْتِدَاءً اتِّفَاقًا وَلَيْسَتْ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي صِحَّةِ التَّحْكِيمِ كَمَا فِي تت وعبق وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَصْبَغَ وَالثَّانِي لِمُطَرِّفٍ وَالثَّالِثُ لِأَشْهَبَ وَالرَّابِعُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّحْكِيمِ وَعَدَمِهِ اُنْظُرْ بْن، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِي صَبِيٍّ إلَخْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ " أَقْوَالٌ

الصفحة 136