كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَوَّلُهَا الصِّحَّةُ، ثَانِيهَا عَدَمُهَا (ثَالِثُهَا) الصِّحَّةُ (إلَّا) فِي تَحْكِيمِ (الصَّبِيِّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنْ جَارَ (وَرَابِعُهَا) الصِّحَّةُ (إلَّا) فِي تَحْكِيمِ صَبِيٍّ (وَفَاسِقٍ) وَيَجُوزُ إبْقَاءُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنْ يُقَدَّرَ: وَفِي جَوَازِ تَحْكِيمِ صَبِيٍّ إلَخْ وَعَدَمِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْجَوَازِ الصِّحَّةُ وَفِي عَدَمِهِ عَدَمُهَا.

(وَ) جَازَ لِلْقَاضِي (ضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ) عَنْ دَفْعِ الْحَقِّ بَعْدَ لُزُومِهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْإِذْنُ الصَّادِقُ بِالْوُجُوبِ.

(وَ) جَازَ (عَزْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي أَيْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَهُ (لِمَصْلَحَةٍ) اقْتَضَتْ عَزْلَهُ لِكَوْنِ غَيْرِهِ أَقْوَى مِنْهُ، أَوْ أَحْكَمَ، أَوْ أَصْبَرَ أَوْ لِنَقْلِهِ لِبَلَدٍ آخَرَ (وَلَمْ يَنْبَغِ) عَزْلُهُ (إنْ شُهِرَ عَدْلًا) أَيْ بِالْعَدَالَةِ (بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ) أَيْ شَكْوَى بَلْ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ حَالِهِ فَالتَّجَرُّدُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْكَشْفِ وَالنَّظَرِ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الشَّكْوَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَهَرْ بِالْعَدَالَةِ أَنْ يَعْزِلَهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى وَهُوَ كَذَلِكَ.

(وَلْيُبْرَأْ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْ الشَّيْنِ إنْ عَزَلَهُ (عَنْ غَيْرِ سُخْطٍ) أَيْ جَرْحٍ بَلْ لِمُجَرَّدِ مَصْلَحَةٍ كَكَوْنِ غَيْرِهِ أَعْلَمَ بِالْأَحْكَامِ وَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ لِسُخْطٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مُوجِبَ عَزْلِهِ لِئَلَّا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدُ.

(وَ) جَازَ لَهُ (خَفِيفُ) (تَعْزِيرٍ) شَأْنُهُ السَّلَامَةُ مِنْ النَّجِسِ (بِمَسْجِدٍ) (لَا حَدٌّ) فَلَا يَجُوزُ فِيهِ خَشْيَةَ خُرُوجِ نَجَاسَةٍ مِنْهُ يَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ وَالْكَرَاهَةَ.

(وَجَلَسَ) نَدْبًا (بِهِ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ أَيْ بِرِحَابِهِ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْكَافِرُ وَالْحَائِضُ وَجُلُوسُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ يَكُونُ (بِغَيْرِ عِيدٍ وَقُدُومِ حَاجٍّ وَخُرُوجِهِ وَ) غَيْرِ وَقْتِ نُزُولِ (مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَيَوْمِ تَرْوِيَةٍ وَعَرَفَةَ وَلَيْلٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَةٌ " كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: أَوَّلُهَا الصِّحَّةُ) أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ ثَانِيهَا عَدَمُهَا أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ جَارِيَةٌ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُحَكَّمَ فِيهِ الْمُحَكَّمُ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمَالُ وَالْجَرْحُ وَفِيمَا يَمْضِي فِيهِ حُكْمُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَهِيَ الْأُمُورُ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا بِقَوْلِهِ لَا فِي حَدٍّ وَلِعَانٍ إلَخْ وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ الْمَزِيدُ عَلَى مَا هُنَا وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْكِيمِ الْمُمَيِّزِ لَا يُنَافِي جَزْمَهُ فِيمَا مَرَّ بِجَوَازِ تَحْكِيمِهِ وَصِحَّةِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ فِيمَا مَرَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَالِغِ احْتِرَازًا عَنْ بَالِغٍ بِهِ عَتَهٌ، أَوْ جُنُونٌ وَفِيمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ.

(قَوْلُهُ: وَجَازَ ضَرْبُ خَصْمٍ) أَيْ بِيَدِهِ أَوْ أَعْوَانِهِ وَقَوْلُهُ: لَدَّ عَنْ دَفْعِ الْحَقِّ أَيْ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ اللَّدَدُ بِالْبَيِّنَةِ لَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي مِنْهُ ذَلِكَ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ وَسَلَّمَهُ ح وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا لَبَن خِلَافًا لعبق تَبَعًا لتت مِنْ جَوَازِ ضَرْبِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ بَلْ اسْتِنَادًا لِعِلْمِهِ. (قَوْلُهُ: بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) أَيْ فِي قَدْرِهِ. (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِالْوُجُوبِ) أَيْ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلْخَصْمِ إذَا لَدَّ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ كَمَا فِي الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَجَازَ عَزْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ) أَيْ تَعُودُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً فِيهِ فَإِنْ عُزِلَ لَا لِمَصْلَحَةٍ فَالنَّقْلُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ عَقِبَهُ: قُلْت: فِي عَدَمِ نُفُوذِ عَزْلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لَغْوِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْبَغِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْعَدَالَةِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عَدْلًا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ أَيْ إنْ شُهِرَ كَوْنُهُ عَدْلًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ) أَيْ بِالشَّكْوَى الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ وَالنَّظَرِ فِي شَأْنِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الشِّكَايَةُ فِيهِ وَاحِدَةً، أَوْ مُتَعَدِّدَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْكَشْفِ وَالْفَحْصِ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ وَجَدَهُ عَدْلًا فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ أَبْقَاهُ وَإِنْ وَجَدَهُ مَسْخُوطًا فِي الْبَاطِنِ عَزَلَهُ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَعْزِلَهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْشِفْ عَنْ حَالِهِ.

(قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِ سُخْطٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ إنْ عَزَلَهُ لَا بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ؛ إذْ يَصِيرُ مَعْنَاهُ يَبْرَأُ عَنْ الرِّضَا وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَهُ الْأَمِيرُ مِنْ غَيْرِ سُخْطٍ بِأَنْ عَزَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ غَيْرِ الْجُرْحَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَمِيرِ أَنْ يُبْرِئَهُ مِمَّا يَشِينُهُ بِأَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ بِبَرَاءَتِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا عَزَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ وَيُشْهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِمُنَادَاةٍ مَثَلًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَزْلَ مَظِنَّةُ تَطَرُّقِ الْكَلَامِ فِي الْمَعْزُولِ وَكَوْنُ الْعَزْلِ لِمَصْلَحَةٍ قَدْ يَخْفَى عَلَى النَّاسِ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدُ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمَعْزُولَ لِسُخْطٍ لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ بَعْدُ وَلَوْ صَارَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.

(قَوْلُهُ: شَأْنُهُ السَّلَامَةُ مِنْ النَّجِسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ دُونَ الْحَدِّ. (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ وَالْكَرَاهَةَ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنْ ظَنَّ حُصُولَ دَمٍ أَوْ نَجَاسَةٍ حَرُمَ وَإِنْ شَكَّ فِي حُصُولِ ذَلِكَ كُرِهَ اهـ عَدَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَجَلَسَ بِهِ) أَيْ لِسَمَاعِ الدَّعَاوَى وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِرِحَابِهِ) أَيْ لَا فِيهِ فَيُكْرَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ طَرِيقَتَيْنِ الْأُولَى لِمَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ: اسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ فِي الرِّحَابِ وَكَرَاهَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ جُلُوسِهِ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ وَهِيَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] . وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَاضِحَةِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْمُرُورُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ صَرَفَهُ الشَّارِحُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ مَارًّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَرَّرَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: لِيَصِلَ إلَيْهِ الْكَافِرُ إلَخْ) أَيْ وَلِخَبَرِ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ» . (قَوْلُهُ: وَغَيْرِ وَقْتِ نُزُولِ مَطَرٍ) أَيْ كَثِيرٍ

الصفحة 137