كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(فَالْجَالِبُ) لِصَاحِبِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِرَسُولِ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالْكَلَامِ ابْتِدَاءً (وَإِلَّا) يَكُنْ أَحَدُهُمَا جَالِبًا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا، وَإِذَا أُمِرَ بِالْكَلَامِ (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ) نَحْوُ لِي عَلَيْهِ دِينَارٌ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمَعْلُومِ مِنْ الْمَجْهُولِ نَحْوِ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا أَعْلَمُهُ وَبِالْمُحَقَّقِ مِنْ غَيْرِهِ نَحْوِ لِي عَلَيْهِ دِينَارٌ فِي ظَنِّي، أَوْ وَهْمِي فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ كَأَنْ يَتَّهِمَ إنْسَانًا بِسَرِقَةِ شَيْئِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ فَرَّطَ فِيهِ فَتُسْمَعَ وَيَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ.

(قَالَ) الْمَازِرِيُّ (وَكَذَا) تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إنْ ادَّعَى بِمَجْهُولٍ وَبَيَّنَ السَّبَبَ نَحْوُ لِي عَلَيْهِ (شَيْءٌ) مِنْ بَقِيَّةِ مُعَامَلَةٍ مَثَلًا وَلَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ قَدْرَهُ فَيُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ بِشَيْءٍ مُحَقَّقٍ، أَوْ بِالْإِنْكَارِ وَيُحَلَّفُ.

(وَإِلَّا) يَدَّعِ بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ بِأَنْ ادَّعَى بِمَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ (لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهُ (كَ أَظُنُّ) أَنَّ لِي عَلَيْهِ شَيْئًا، أَوْ أَنَّ لِي عَلَيْهِ دِينَارًا، وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ، ثُمَّ إذَا ادَّعَى بِمُحَقَّقٍ مَعْلُومٍ، أَوْ مَجْهُولٍ عَلَى قَوْلِ الْمَازِرِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ (وَكَفَاهُ) فِي بَيَانِ السَّبَبِ (بِعْت وَتَزَوَّجْت) مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الصِّحَّةَ (وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ) حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ سَلَفٍ أَوْ قِرَاضٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ مِنْ نِكَاحٍ، أَوْ نَفَقَةٍ (وَإِلَّا) يُبَيِّنْ الْمُدَّعِي السَّبَبَ (فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ) وُجُوبًا فَإِنْ غَفَلَ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْهُ فَإِنْ قَالَ لَا عِلْمَ عِنْدِي بِهِ، أَوْ لَا أُبَيِّنُهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فَلَا يُطَالَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَوَابٍ كَمَا يَأْتِي (ثُمَّ) بَعْدَ بَيَانِ السَّبَبِ أَمَرَ الْقَاضِي (مُدَّعًى عَلَيْهِ) وَهُوَ مَنْ (تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ) شَرْعِيٍّ كَالْأَمَانَةِ فَإِنَّهُ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْأَمِينَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِهِ كَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ (أَوْ أَصْلٍ) كَالْمَدِينِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجَرَّدٌ عَنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْعَدَمُ. (قَوْلُهُ: فَالْجَالِبُ لِصَاحِبِهِ) أَيْ فَاَلَّذِي جَلَبَ صَاحِبَهُ لِمَجْلِسِ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَكُنْ أَحَدُهُمَا جَالِبًا) أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِيَ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ: أَنَا الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ فِي الِادِّعَاءِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِلْمِ الْمُدَّعِي بِهِ تَصَوُّرُهُ أَيْ تَمَيُّزُهُ فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي وَأَمَّا تَحَقُّقُهُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِجَزْمِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْمُدَّعَى بِهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلتَّصْدِيقِ فَلِأَجْلِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِهِ وَتَمَيُّزِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَنَّ لِي عَلَيْهِ شَيْئًا أَتَحَقَّقُهُ لَكِنْ لَا أَعْلَمُ ذَاتَهُ وَلِاشْتِرَاطِ التَّحَقُّقِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِ أَشُكُّ، أَوْ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ دِينَارًا مَثَلًا. (قَوْلُهُ: مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ) بَيَانٌ لِلسَّبَبِ.
(قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِالْمَعْلُومِ عَنْ الْمَجْهُولِ) أَيْ عَمَّا إذَا ادَّعَى بِمَجْهُولٍ كُلِّيٍّ " عَلَيْهِ شَيْءٌ أَتَحَقَّقُهُ وَلَكِنْ لَا أَدْرِي عَيْنَهُ فَلَا " يُسْمَعُ دَعْوَاهُ سَوَاءٌ بَيَّنَ السَّبَبَ أَوْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى بِمَجْهُولٍ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ كَمَا مَرَّ فِي الْمِثَالِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ أُمِرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ إمَّا بِتَعْيِيبِهِ، أَوْ بِالْإِنْكَارِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَبِالْمُحَقَّقِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ) أَيْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُدَّعَى بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحَقَّقًا فِي غَيْرِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَتَّهِمُهُ بِسَرِقَةِ دِينَارٍ مَثَلًا فَإِنَّ دَعْوَاهُ تُسْمَعُ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى الِاتِّهَامِ تَرْجِعُ لِلشَّكِّ وَالظَّنِّ فَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ اشْتِرَاطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ؛ إذْ كَأَنَّهُ قَالَ فَيَدَّعِي بِمُحَقَّقٍ مَعْلُومٍ لَا بِمَشْكُوكٍ، أَوْ مَظْنُونٍ إلَّا إنْ كَانَ مَشْكُوكًا، أَوْ مَظْنُونًا وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ فَالْحَقُّ أَنَّ مَا هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحَقَّقًا لَا مَشْكُوكًا وَلَا مَظْنُونًا وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ، وَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ - مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ الْمُفِيدِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُدَّعَى بِهِ مُحَقَّقًا - طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ تَوَجُّهُ يَمِينِ التُّهْمَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَدَمُ تَوَجُّهِهَا وَالْمُعْتَمَدُ مَا يَأْتِي كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَنَحْوُهُ فِي بْن.

(قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ بِشَيْءٍ مُحَقَّقٍ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ دَفَعْت لَك كَذَا وَكَذَا وَبَقِيَ لَك كَذَا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَدَّعِ بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ إلَخْ) يُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا إلَخْ مُخْرَجٌ مِنْ الْقَيْدَيْنِ قَبْلَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخْرَجٌ مِنْ الْقَيْدِ الثَّانِي فَقَطْ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِقَوْلِهِ كَ أَظُنُّ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ) أَيْ الْقَائِلِ إنَّهُ إذَا ادَّعَى بِمَعْلُومٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ وَبَيَّنَ السَّبَبَ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ مَا ادَّعَى بِهِ وَقَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ أَيْ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: وَكَفَاهُ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيَانِ السَّبَبِ أَنْ يَقُولَ: لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْ نِكَاحٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ مِنْ بَيْعٍ صَحِيحٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ صَحِيحٍ، أَوْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ: بِعْت أَيْ وَلِي عِنْدَهُ ثَمَنُهُ وَتَزَوَّجْت أَيْ وَلِي عِنْدَ الزَّوْجِ الصَّدَاقُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَفَلَ) أَيْ الْقَاضِي عَنْ سُؤَالِ الْمُدَّعِي عَنْ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْهُ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ إذَا بَيَّنَ سَبَبَهُ. (قَوْلُهُ: بِمَعْهُودٍ شَرْعِيٍّ) أَيْ بِأَمْرٍ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ، وَقَوْلُهُ: كَالْأَمَانَةِ أَيْ كَتَصْدِيقِ ذِي الْأَمَانَةِ وَهَذَا مِثَالٌ لِلْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ. (قَوْلُهُ: كَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ) مِثَالٌ لِمَنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ: بِمَعْهُودٍ شَرْعِيٍّ فَمَنْ قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ، أَوْ مَالَ الْقِرَاضِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِتَرَجُّحِ قَوْلِهِ بِالْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ تَصْدِيقُ الْأَمِينِ. (قَوْلُهُ: كَالْمَدِينِ) مِثَالٌ لِمَنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ:

الصفحة 144