كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِفِسْقِهِمْ لِظُهُورِهَا مِمَّا ذُكِرَ.

(وَأَعْذَرَ) الْقَاضِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وهَذَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَسِيمِ قَوْلِهِ فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْفِهَا بِأَنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا فَإِنْ أَحْضَرَهَا وَسَمِعَ شَهَادَتَهَا أَعْذَرَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ سَأَلَهُ عَنْ عُذْرِهِ (بِأَبْقَيْت لَك حُجَّةٌ) أَيْ مَطْعَنٌ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا أَنْظَرَهُ كَمَا يَأْتِي وَالْإِعْذَارُ وَاجِبٌ وَالْحُكْمُ بِدُونِهِ بَاطِلٌ فَيُنْقَضُ وَيُسْتَأْنَفُ (وَ) إذَا كَانَ الْمُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ غَائِبًا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ لِكَوْنِهِ أُنْثَى (نُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِعْذَارِ وَيَكْفِي الْوَاحِدُ الْعَدْلُ.

وَاسْتَثْنَى خَمْسَ مَسَائِلَ لَا إعْذَارَ فِيهَا بِقَوْلِهِ (إلَّا الشَّاهِدَ بِمَا) أَيْ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْقَاضِي لِمُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِي سَمَاعِ الْإِقْرَارِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إعْذَارٍ فِي الشُّهُودِ الْحَاضِرِينَ إذْ لَوْ أَعْذَرَ فِيهِمْ لَلَزِمَ الْإِعْذَارُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُعْذِرُ فِي نَفْسِهِ.

(و) إلَّا شَاهِدًا أَيْ جِنْسَهُ (مُوَجِّهَهُ) الْقَاضِي لِسَمَاعِ دَعْوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِفِسْقِهِمْ) بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ.

(قَوْلُهُ: وَأَعْذَرَ إلَيْهِ) إمَّا مُسْتَأْنَفٌ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا وَسَمِعَهَا الْقَاضِي وَأَعْذَرَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) أَيْ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ مَا يَشْمَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِيَ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِتَجْرِيحِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلْيُجِبْ عَنْ الْمُجَرِّحِ وَلَوْ عَمَّمَ فِي كَلَامِهِ هُنَا كَانَ مَا يَأْتِي مُكَرَّرًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْضَرَهَا وَسَمِعَ شَهَادَتَهَا أَعْذَرَ) كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَهُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَإِذَا جَاءَ الْخَصْمُ ذَكَرَ لَهُ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ فَإِنْ ادَّعَى فِيهِمْ مَطْعَنًا كَلَّفَهُ إثْبَاتَهُ وَإِلَّا حَكَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ طَلَبَ إحْضَارَ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا لِيَشْهَدُوا بِحَضْرَتِهِ لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَيْ سَأَلَهُ عَنْ عُذْرِهِ) ذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَعْذَرَ إلَيْهِ لِلسَّلْبِ أَيْ قَطَعَ عُذْرَهُ وَأَزَالَهُ وَلَمْ يُبْقِ لَهُ عُذْرًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَثْبَتَ عُذْرَهُ وَحُجَّتَهُ فَهُوَ كَقَوْلِك أَعْجَمْت الْكِتَابَ أَيْ أَزَلْت عُجْمَتَهُ بِالنَّقْطِ وَشَكَا إلَيَّ زَيْدٌ فَأَشْكَيْتُهُ أَيْ أَزَلْتُ شِكَايَتَهُ. (قَوْلُهُ: بِأَبْقَيْت إلَخْ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ إعْذَارًا مُصَوَّرًا أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ، أَوْ أَلَك مَطْعَنٌ أَوْ قَادِحٌ، أَوْ مَدْفَعٌ، أَوْ مَقَالٌ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِهِ نَفْيُهُ لَهُ بِأَنْ قَالَ لَا مَطْعَنَ عِنْدِي وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِلَّا يَنْفِهِ وَلَكِنْ وَعَدَ بِإِثْبَاتِهِ أَنْظَرَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الطَّعْنَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَيْهِ الْمَحْكُومَ بِشَهَادَتِهَا فَلَا يُقْبَلُ طَعْنُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْهَا وَكَانَ عَدَمُ طَعْنِهِ لِعَدَمِ وُجُودِ بَيِّنَةٍ تَطْعَنُ أَوْ نَسِيَهَا، أَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَلَهُ الطَّعْنُ بَعْدَ الْحُكْمِ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ وَكَذَا يُقَالُ إذَا أَمْهَلَهُ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِعْذَارُ وَاجِبٌ) مَحَلُّ وُجُوبِهِ إنْ ظَنَّ الْقَاضِي جَهْلَ مَنْ يُرِيدُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ الطَّعْنَ، أَوْ ضَعْفَهُ وَأَمَّا إنْ ظَنَّ عِلْمَهُ بِأَنَّ لَهُ الطَّعْنَ وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ بَلْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ بِدُونِهِ بَاطِلٌ فَيُنْقَضُ وَيَسْتَأْنِفُ) هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبُرْزُلِيِّ وَقَالَ النَّاصِرُ: لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِدُونِ إعْذَارٍ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ الْإِعْذَارَ فَإِنْ أَبْدَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَطْعَنًا نَقَضَهُ وَإِلَّا بَقِيَ الْحُكْمُ وَهُوَ لَا يُعَادِلُ الْأَوَّلَ لِحِكَايَةِ صَاحِبِ الْمِعْيَارِ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْإِعْذَارِ مَحَلُّهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمَيْنِ وَالْقَاضِي وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَدَمَ الْإِعْذَارِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَوْ الْمَحْكُومُ لَهُ الْإِعْذَارَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ كَمَا قَالَ الْأَخَوَانِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا يُسْتَأْنَفُ الْإِعْذَارُ فَإِنْ أَبْدَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَطْعَنًا نُقِضَ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: غَائِبًا) أَيْ عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ لِكَوْنِهِ أُنْثَى وَسَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ. (قَوْلُهُ: نُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ) أَيْ بِأَنْ يُرْسِلَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لِذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَائِبِ يَقُولَانِ لَهُ إنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَامَ عَلَيْك بَيِّنَةً فُلَانًا وَفُلَانًا أَلَك مَطْعَنٌ فِيهَا فَالْإِعْذَارُ لَهُ بِوَاحِدٍ وَاجِبٌ وَالنَّدْبُ مُنْصَبٌّ عَلَى التَّعَدُّدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِ تَوْجِيهِ الْمُتَعَدِّدِ فِي الْإِعْذَارِ لِلْغَائِبِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَأَمَّا الْغَائِبُ غَيْبَةً بَعِيدَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ مَعَ الْأَمْنِ وَالثَّلَاثَةِ مَعَ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ وَإِذَا قَدِمَ أَعْذَرَ لَهُ فِي الشُّهُودِ بَعْدَ تَسْمِيَتِهِمْ لَهُ فَإِنْ أَبْدَى فِيهِمْ مَطْعَنًا وَأَثْبَتَهُ نُقِضَ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ لَمْ يُعْذِرْ فِيهِمْ بَعْدَ قُدُومِهِ نُقِضَ الْحُكْمُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا الشَّاهِدَ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَقِّ الْمُدَّعِي فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِلُزُومِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ إعْذَارٍ فِي الشُّهُودِ الشَّاهِدِينَ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: لِمُشَارَكَتِهِ) أَيْ الْقَاضِي لَهُمْ أَيْ الشُّهُودِ فِي سَمَاعِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَلَا إعْذَارَ فِيهِمْ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُمْ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ جِنْسَهُ) أَيْ الصَّادِقَ بِاثْنَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِسَمَاعِ دَعْوَى) أَيْ فَإِذَا وَجَّهَهُمَا الْقَاضِي

الصفحة 148