كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَوْ لِتَحْلِيفٍ أَوْ حِيَازَةٍ فَلَا إعْذَارَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُعْذِرُ فِي نَفْسِهِ.

(وَ) إلَّا (مُزَكِّيَ السِّرِّ) أَيْ مُخْبِرَ الْقَاضِي سِرًّا بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ فَلَا إعْذَارَ فِيهِ وَكَذَا مُجَرِّحُهُمْ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاكِمِ تَسْمِيَتُهُ وَلَوْ سُئِلَ عَمَّنْ عَدَّلَ أَوْ جَرَّحَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ.

(وَ) إلَّا (الْمُبَرِّزَ) أَيْ الْفَائِقُ فِي الْعَدَالَةِ لَا إعْذَارَ فِيهِ (بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَيْ أَوْ قَرَابَةٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَأَمَّا بِهِمَا فَيُعْذِرُ.

(وَ) إلَّا مَنْ يُخْشَى (مِنْهُ) الضَّرَرُ عَلَى بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَيْهِ، أَوْ جُرِّحَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَا إعْذَارَ إلَيْهِ فِيهَا بَلْ لَا تُسَمَّى لَهُ (وَ) إذَا أَعْذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: لِي فِيهَا مَطْعَنٌ مِنْ فِسْقٍ، أَوْ غَيْرِهِ (أَنْظَرَهُ) الْقَاضِي (لَهَا) أَيْ لِلْحُجَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا أَيْ لِإِثْبَاتِهَا (بِاجْتِهَادِهِ) بِمَا يَقْتَضِيهِ نَظَرُهُ فَلَيْسَ لِأَمَدِهَا زَمَنٌ مُعَيَّنٌ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا (حَكَمَ) عَلَيْهِ (كَنَفْيِهَا) أَيْ كَمَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ لَوْ نَفَاهَا بِأَنْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي.

(وَلْيُجِبْ) الْقَاضِي مَنْ سَأَلَهُ: مَنْ جَرَّحَ بَيِّنَتِي (عَنْ) تَعْيِينِ (الْمُجَرِّحِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ، إنْ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِسَمَاعِ دَعْوَى مِنْ مَرِيضٍ، أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْذِرُ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: أَوْ لِتَحْلِيفٍ) أَيْ تَحْلِيفِ امْرَأَةٍ، أَوْ مَرِيضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْذِرَ لِطَالِبِ الْيَمِينِ فِي الشَّاهِدَيْنِ الْمُوَجَّهَيْنِ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ حِيَازَةٍ) أَيْ إنْ أَرْسَلَهُمَا الْقَاضِي لِحِيَازَةِ دَارٍ أُرِيدَ بَيْعُهَا عَلَى غَائِبٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مُخْبِرَ الْقَاضِي سِرًّا بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ) أَيْ الْمُلَازِمِينَ لَهُ لِسَمَاعِ إقْرَارِ الْخُصُومِ وَالشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عِنْدَهُ فِي الْوَقَائِعِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ " مُزَكِّيَ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُقْرَأُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِهَا أَيْ الشَّاهِدَ الْمُزَكَّى سِرًّا وَعَلَى كِلَيْهِمَا فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ ثَابِتَةٌ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَعَدَالَةَ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ ثَابِتَةٌ بِعِلْمِ الْمُزَكِّي لَا بِعِلْمِ الْقَاضِي وَحِينَئِذٍ فَعَدَالَةُ الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ أَقْوَى فَإِذَا لَمْ يُعْذِرْ فِي الْأَضْعَفِ لَا يُعْذِرُ فِي الْأَقْوَى مِنْ بَابِ أَوْلَى وَحِينَئِذٍ فَالْفَتْحُ يُفِيدُ عَدَمَ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِالْكَسْرِ فَلَا تُفِيدُ عَدَمَ الْإِعْذَارِ فِيمَنْ زَكَّاهُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مُجَرِّحُهُمْ) أَيْ لَا إعْذَارَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سُئِلَ عَمَّنْ عَدَّلَ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ سَأَلَ الْمَطْلُوبُ الْقَاضِيَ عَمَّنْ زَكَّى بَيِّنَةَ الطَّالِبِ وَعَدَّلَهَا، أَوْ سَأَلَ الطَّالِبُ عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُزَكِّيَ لِلْأُولَى وَالْمُجَرِّحَ لِلثَّانِيَةِ مُزَكِّي السِّرِّ فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنْ يُسَمِّيَهُ لَهُ وَلَا يَلْتَفِتَ لِسُؤَالِ ذَلِكَ السَّائِلِ بِذِكْرِ الْمُعَدِّلِ أَوْ الْمُجَرِّحِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقِيمُ لِذَلِكَ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْفَائِقَ) أَيْ لِأَقْرَانِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِهِمَا فَيُعْذِرُ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَك مَطْعَنٌ فِيهِ بِعَدَاوَةٍ لَك، أَوْ بِقَرَابَةٍ لِلْمُدَّعِي فَإِنْ قَدَحَ فِيهِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قُبِلَ قَدَحُهُ وَإِنْ قَدَحَ فِيهِ بِغَيْرِهِمَا كَأَكْلٍ فِي سُوقٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَدَحُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبَرِّزَ لَا يُسْمَعُ الْقَدَحُ فِيهِ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ، أَوْ الْقَرَابَةِ وَأَمَّا بِغَيْرِهِمَا فَلَا يُسْمَعُ الْقَدَحُ بِهِ فِيهِ وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْمُبَرِّزِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ لَا يُقْبَلُ الْقَدَحُ فِيهِ بِأَيِّ قَادِحٍ كَانَ وَلَوْ بِعَدَاوَةٍ، أَوْ قَرَابَةٍ.

(قَوْلُهُ: فَلَا إعْذَارَ إلَيْهِ فِيهَا بَلْ لَا تُسَمَّى لَهُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْإِعْذَارِ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ابْنِ بَشِيرٍ أَحَدِ تَلَامِذَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ غَيْرُ ابْنِ بَشِيرٍ تِلْمِيذِ الْمَازِرِيِّ وَلَفْظُ ابْنِ يُونُسَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ وَنَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَشْهَدُ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي سِرًّا وَإِنْ خَافُوا مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُمْ؛ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَيُعْذِرَ إلَيْهِمْ فِيهِمْ فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ وَمِثْلُ مَا لِابْنِ يُونُسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفُ أَتَى بِهِ جَمْعًا لِلنَّظَائِرِ فَقَطْ اُنْظُرْ طفى وبن وَقَدْ يُجَابُ عَنْ تَضْعِيفِهِمْ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ بِعَدَمِ الْإِعْذَارِ لِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ عَلَى الْبَيِّنَةِ لَكِنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يُهْمِلَ حَقَّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ التَّفْتِيشِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَتَنَزَّلُ فِي السُّؤَالِ عَنْهُمْ مَنْزِلَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ حَاصِلٌ بِغَيْرِهِ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى الْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَعْذَرَ إلَيْهِ) أَيْ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. (قَوْلُهُ: أَيْ لِإِثْبَاتِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِأَمَدِهَا) أَيْ لِأَمَدِ إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ أَيْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ وَإِلَّا حَكَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ كَمَا إذَا نَفَاهَا وَكَمَا لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ بَعِيدَةُ الْغَيْبَةِ كَالْعِرَاقِ بِتَجْرِيحِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَتْ بَيِّنَتُهُ وَيُقِيمُهَا عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي، أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ اهـ خش. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا) أَيْ بِالْحُجَّةِ بِمَعْنَى الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْمَطْعَنِ.

(قَوْلُهُ: وَلْيُجِبْ عَنْ الْمُجَرِّحِ) حَاصِلُهُ أَنْ الْمُدَّعِيَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لَهُ بِحَقٍّ عَلَى شَخْصٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِتَجْرِيحِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فِي حَلِفِهِ فَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ وَيُوَجِّهَ لَهُ الْإِعْذَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْمُجَرِّحِ وَالْمُدَّعِي عَدَاوَةٌ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَرَابَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ التَّجْرِيحُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهَا الضَّرَرُ مِنْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُزَكِّي سِرٍّ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُجَرِّحُ مُزَكِّيَ سِرٍّ، أَوْ بَيِّنَةً يُخْشَى عَلَيْهَا الضَّرَرُ مِنْ الْمُدَّعِي فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَعْيِينُ الْمُجَرِّحِ وَلَا يَلْتَفِتُ لِسُؤَالِ الْمُدَّعِي عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّجْرِيحُ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّمَا الْقَاضِي

الصفحة 149