كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَإِنَّهُ يُنْقَضُ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِهَذَا الْبَعْضِ حَنَفِيًّا يَرَى أَنَّ مَذْهَبَهُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ يُحَدُّ لَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ وَلَوْ لَمْ يَرَ الْحَدَّ مَذْهَبَهُ وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ (وَشُفْعَةِ جَارٍ) وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَاسْتَبْعَدَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْضَ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي كُلٍّ حَدِيثٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا سِيَّمَا عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَالُوا بِخِلَافِهِمَا صَارَ الْعَمَلُ بِهِمَا كَأَنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ.
(وَحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ) أَيْ حُكْمِ الْقَاضِي عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً فَيُنْقَضُ (أَوْ) حُكْمٍ (بِشَهَادَةِ كَافِرٍ) عَلَى كَافِرٍ، أَوْ مُسْلِمٍ مَعَ عِلْمِ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ مِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ) كَعَمَّةٍ وَخَالَةٍ فَيُنْقَضُ (أَوْ) مِيرَاثِ (مَوْلًى أَسْفَلَ) مِنْ مُعْتِقِهِ (أَوْ) حُكْمٍ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ لِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ بَلْ (بِعِلْمٍ) مِنْهُ (سَبَقَ مَجْلِسَهُ) قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَمَّا لَوْ قَضَى بِمَا عَلِمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِأَنْ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يُنْقَضُ.
(أَوْ جَعَلَ بَتَّةً) ، أَوْ ثَلَاثًا (وَاحِدَةً) أَيْ حَكَمَ بِذَلِكَ فَيُنْقَضُ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْتِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهِ مُنْكَرٌ فِي الدِّينِ (أَوْ) ثَبَتَ (أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا) أَيْ حُكْمًا صَحِيحًا (فَأَخْطَأَ) عَمَّا قَصَدَ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ اشْتِغَالِ بَالٍ (بِبَيِّنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِثَبَتَ الْمُقَدَّرِ أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَخْطَأَ عَمَّا قَصَدَهُ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ بِدُونِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ وَيَنْقُضُهُ هُوَ.

(أَوْ) (ظَهَرَ) بَعْدَ قَضَائِهِ (أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، أَوْ صَبِيَّيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ) فَيَنْقُضُهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ (كَأَحَدِهِمَا) كَمَا إذَا حَكَمَ بِأَحَدِهِمَا مَعَ عَدْلٍ فَيَنْقُضُ (إلَّا بِمَالٍ) وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ (فَلَا يُرَدُّ) إلَيْهِ حُكْمُهُ (إنْ حَلَفَ) الْمَحْكُومُ لَهُ (وَإِلَّا) يَحْلِفْ (أُخِذَ) الْمَالُ (مِنْهُ إنْ حَلَفَ) الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الْعَدْلِ فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

(وَ) إذَا تَبَيَّنَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْعَبْدِ وَمَا مَعَهُ (حَلَفَ) وَلِيُّ الدَّمِ (فِي الْقِصَاصِ) مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (خَمْسِينَ) يَمِينًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُنْقَضُ) اعْلَمْ أَنَّ النَّقْضَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِعَدَمِ النَّقْضِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَدِلَّتِهَا غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ وَالنَّقْضُ عِنْدَهُ مَقْصُورٌ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقَاطِعِ وَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: وَاسْتَبْعَدَ الْمَازِرِيُّ إلَخْ) بَلْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ فَلَا يُنْقَضُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي كُلٍّ) أَيْ مِنْ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَشُفْعَةِ الْجَارِ. (قَوْلُهُ: حَدِيثٌ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ فِيهِمَا لَمْ يُخَالِفْ قَاطِعًا وَلَا جَلِيَّ قِيَاسٍ. (قَوْلُهُ: عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً) أَيْ وَأَمَّا حُكْمُهُ عَلَى عَدُوِّهِ فِي الدِّينِ فَلَا يُنْقَضُ. (قَوْلُهُ: عَلَى كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ) اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا وَأَمَّا شَهَادَتُهُ عَلَى مِثْلِهِ فَقَبِلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِ الْقَاضِي) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يُغَايِرَ قَوْلَهُ بَعْدُ أَوْ ظَهَرَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْكِتَابِ) أَيْ وَلِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَيْضًا وَهُوَ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَى الْفَاسِقِ فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا يَجُوزُ وَالْكَافِرُ أَشَدُّ فِسْقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ فَبِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مُنْتَظِمٌ وَإِلَّا فَلَا نَقْضَ وَإِنَّمَا نُقِضَ الْحُكْمُ بِمِيرَاثِ ذِي الرَّحِمِ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
(قَوْلُهُ: بِعِلْمٍ) أَيْ بِسَبَبِ عِلْمٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهَا) أَيْ وَقَبْلَ جُلُوسِهِ فِي مَحَلِّ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ طَائِعًا وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَكَمَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فَلَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا هُوَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ مَا دَامَ قَاضِيًا لَا إنْ عُزِلَ، ثُمَّ وُلِّيَ وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ الْمُتَّهَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ مُكْرَهًا فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ عَلَى مَا لِسَحْنُونٍ وَبِهِ الْعَمَلُ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: مُنْكَرٌ فِي الدِّينِ) أَيْ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ فَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهِ وَلَا الْحُكْمُ وَلَا الْعَمَلُ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ اعْتَمَدَتْ عَلَى قَرَائِنَ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ قَصَدَ الْحُكْمَ بِهَذَا الْقَوْلِ فَأَخْطَأَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ نَقَضَهُ هُوَ إذَا تَرَافَعَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِصِدْقِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ إلَخْ) أَيْ وَعِلْمُ الْبَيِّنَةِ بِقَصْدِهِ يَكُونُ بِالْقَرَائِنِ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ) أَيْ فَاشْتِرَاطُ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ نَقْضِهِ لِحُكْمِ غَيْرِهِ وَأَمَّا حُكْمُ نَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ خَطَأَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ) أَيْ مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَأَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَافِرَيْنِ) لَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ: أَوْ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا حَكَمَ مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرِهِ لَا مَا إذَا أَخْطَأَ كَمَا هُنَا وَلَا يُغْنِي مَا هُنَا عَمَّا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِكَافِرٍ لَا يُنْقَضُ جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِإِشْهَادِ الْكَافِرِ عَلَى مِثْلِهِ فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا لَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: إلَّا بِمَالٍ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ حُكْمُهُ بِأَحَدِهِمَا بِمَالٍ. (قَوْلُهُ: أُخِذَ الْمَالُ مِنْهُ) أَيْ أَخَذَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْمَالَ مِنْ الْمَحْكُومِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ) أَيْ وَبَعْدَ قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَمَا مَعَهُ) أَيْ كَافِرٍ، أَوْ صَبِيٍّ. (قَوْلُهُ: فِي الْقِصَاصِ) أَيْ فِيمَا إذَا حَصَلَ

الصفحة 154