كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(مَعَ عَاصِبِهِ) وَاحِدًا كَانَ، أَوْ أَكْثَرَ إذْ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقَتْلِ بَدَلَ الْقِصَاصِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ إذْ رُبَّمَا تُوُهِّمَ الْقِصَاصُ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ كَالْأَطْرَافِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ حَلَفَ خَمْسِينَ وَقَوْلُهُ الْآتِي فِي الْقَطْعِ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِصَاصِ خُصُوصُ الْقَتْلِ (وَإِنْ نَكَلَ) وَلِيُّ الدَّمِ أَوْ عَاصِبُهُ (رُدَّتْ) شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الْبَاقِي (وَغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا) بِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ وَالْمُرَادُ جِنْسُ الشُّهُودِ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ إذْ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافِرٌ مَثَلًا وَيَخْتَصُّ الْعَالِمُ الْبَاقِي بِغُرْمِ الدِّيَةِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ تَغْرِيمُ غَيْرِهِ مَعَهُ إنْ لَمْ نَقُلْ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغُرْمِ إذْ الْغُرْمُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعَالِمَ لَمَّا سَكَتَ عَنْ حَالِ صَاحِبِهِ كَانَ هُوَ الْمُتَسَبِّبَ فِي الْإِتْلَافِ فَخُصَّ بِالْغُرْمِ (وَإِلَّا) يَعْلَمُوا (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ) الدِّيَةُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ حِينَ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ وَحْدَهُ.

(وَ) إذَا تَبَيَّنَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ كَعَبْدٍ (فِي الْقَطْعِ) قِصَاصًا لِيَدٍ مَثَلًا حَلَفَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ - وَهُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ - مَعَ شَاهِدِهِ الْبَاقِي وَتَمَّ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا يَأْتِي فَإِنْ نَكَلَ (حَلَفَ الْمَقْطُوعُ) قِصَاصًا (أَنَّهَا) أَيْ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي (بَاطِلَةٌ) وَاسْتَحَقَّ دِيَةً مَثَلًا عَلَى الشَّاهِدِ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.

وَلَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَنْقُضُهَا هُوَ وَغَيْرُهُ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ يَنْقُضُهَا هُوَ فَقَطْ مَعَ بَيَانِ السَّبَبِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ (وَنَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ) مِنْهُ (أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ) إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ خَطَأً
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِصَاصُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَعَ عَاصِبِهِ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِحَلِفَ أَيْ حَلَفَ مُصَاحِبًا لِعَاصِبِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنَّمَا حَلَفَا أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْبَاقِيَ لَوْثٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَلَ وَلِيُّ الدَّمِ، أَوْ عَاصِبُهُ) أَيْ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ. (قَوْلُهُ: رُدَّتْ شَهَادَةُ إلَخْ) أَيْ فَضَمِيرُ رُدَّتْ لِشَهَادَةِ الْبَاقِي وَلَيْسَ رَاجِعًا لِأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمَعْنَى رُدَّتْ عَلَى وَلِيِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ شُهُودٌ) أَيْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ دِيَةَ عَمْدٍ وَقَوْلُهُ عَلِمُوا أَيْ حِينَ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ شَهَادَتَهُ تُرَدُّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُهُمْ بِالْغُرْمِ وَإِنْ شَارَكَهُمْ الْمُدَّعِي فِي الْعِلْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ: فَخُصَّ بِالْغُرْمِ) أَيْ وَلَا يُشَارِكُهُ مَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، أَوْ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى تَرْوِيجِ حَالِهِ فَعُذِرَ قَالَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ حِينَ الْحُكْمِ) أَيْ بِأَنَّ أَحَدَ الشُّهُودِ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ فَاسِقٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَعَلَيْهِ وَحْدَهُ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ عَلِمَ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ حِينَ الْحُكْمِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي وَإِنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمْ وَحَكَمَ فَالْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ هُنَا بِأَنَّ مَنْ يَشْهَدُ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِكَذِبِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْقَطْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ وَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَفِي الْقَطْعِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَإِلَّا لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ حَلَفَ بِحَلِفَ الْمُقَدَّرَةِ بِالْعَطْفِ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْقَطْعِ الْجَرْحَ وَعَبَّرَ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْجِرَاحَاتِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْحُكْمِ) أَيْ بَعْدَ الْقَطْعِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فِي الْقَطْعِ قِصَاصًا) أَيْ وَأَمَّا إذَا حَكَمَ بِالْقَطْعِ لِلسَّرِقَةِ بِشَاهِدَيْنِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ الْقَطْعِ أَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ مَقْبُولِهَا فَلَا يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ حَقٌّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمَقْطُوعُ أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي بَاطِلَةٌ وَغَرِمَ لَهُ الشَّاهِدُ الْبَاقِي دِيَةَ يَدِهِ إنْ عَلِمَ حِينَ الشَّهَادَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ الثَّانِيَ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حِينَ الْحُكْمِ وَإِلَّا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ: حَلَفَ الْمَقْطُوعُ) أَيْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ حَقٌّ وَإِنَّمَا حَلَفَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِ أَصْلِ الدَّعْوَى مِنْهُ فَيَدْفَعُ الْكَذِبَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقَالُ قَدْ تَمَّ غَرَضُهُ فَلَا يَحْلِفُ لِيَدْفَعَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُودِ الضَّرَرَ قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِي بْن كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْمَشْهُودُ لَهُ هُنَا وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ قَطْعَ الْقِصَاصِ وَقَطْعَ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ خِلَافًا لِتَقْيِيدِ الشَّارِحِ لَهُ بِالْقِصَاصِ. (قَوْلُهُ: حَلَفَ الْمَقْطُوعُ قِصَاصًا) أَيْ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ ثَانِيًا وَقَوْلُهُ: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَقْطُوعُ ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ حَذَفَهُ) أَيْ قَوْلَهُ " وَغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ ".

(قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ خَوْفِ نِسْبَتِهِ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى. (قَوْلُهُ: وَنَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ) أَيْ وَبَيَّنَ السَّبَبَ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ بَيَانِ السَّبَبِ هُنَا بِذِكْرِهِ سَابِقًا وَالْمُرَادُ نَقْضُهُ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِهِ، أَوْ فِي وِلَايَةٍ أُخْرَى بَعْدَ عَزْلِهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَنْقُضُهُ فِي الْوِلَايَةِ الثَّانِيَةِ وَكَلَامُ ح يُفِيدُ تَرْجِيحَ مَا قَالَاهُ اهـ عبق. (قَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ) أَيْ إنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُغَايِرَ لِمَا حَكَمَ بِهِ أَصْوَبُ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْمُجْتَهِدِ إذَا حَكَمَ بِرَأْيِهِ مُسْتَنِدًا لِدَلِيلٍ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ وَفِي الْمُقَلِّدِ أَيْضًا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا إذَا حَكَمَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَثَلًا، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ قَوْلَ سَحْنُونٍ مَثَلًا أَرْجَحُ مِنْهُ

الصفحة 155