كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(أَوْ) خَرَجَ الْمُقَلِّدُ عَنْ (رَأْيِ مُقَلَّدِهِ) بِالْفَتْحِ أَيْ إمَامِهِ خَطَأً أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فَيَنْقُضُهُ فَقَطْ وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَخْطَأَ بِقَرِينَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ كَمَا مَرَّ (وَرَفَعَ) حُكْمُهُ (الْخِلَافَ) فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ فَلَا يَجُوزُ لِمُخَالِفٍ فِيهَا نَقْضُهَا فَإِذَا حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدٍ أَوْ صِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ غَيْرِهِ وَلَا لَهُ نَقْضُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلِمَ بِحُكْمِهِ أَنْ يُفْتِيَ بِخِلَافِهِ وَهَذَا فِي الْخِلَافِ الْمُعْتَبَرِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَا ضَعُفَ مُدْرَكُهُ بِأَنْ خَالَفَ نَصًّا، أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ، أَوْ إجْمَاعًا فَيُنْقَضُ كَمَا مَرَّ وَمِنْ الْمُخَالِفِ لِلْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ وَظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الْحَقِّيَّةِ مَا يُفْعَلُ مِنْ الْحِيَلِ الظَّاهِرَةِ الْفَسَادِ كَأَنْ يُسَلِّفَ غَيْرَهُ مَالًا وَيَقُولَ لَهُ أَنْذِرْ عَلَى نَفْسِك أَنَّهُ مَتَى كَانَ هَذَا الْمَالُ فِي ذِمَّتِك أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ شَهْرٍ مَثَلًا كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ أَعْطِنِي أَرْضَك لِأَزْرَعَهَا وَأَبِحْ لِي مَنْفَعَتَهَا مُدَّةَ بَقَاءِ الدَّرَاهِمِ فِي ذِمَّتِك وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهُ.

(لَا أَحَلَّ حَرَامًا) لِمَحْكُومٍ لَهُ ظَالِمٍ فِي الْوَاقِعِ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُسْتَوْفِيَ لِلشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ لِلْمَحْكُومِ لَهُ إذَا كَانَ ظَالِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ وَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى نِكَاحِهَا وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَرَى الْبَحْثَ عَنْ الْعَدَالَةِ كَالْحَنَفِيِّ، أَوْ كَانَ يَبْحَثُ عَنْهَا كَالْمَالِكِيِّ وَعَجَزَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ تَجْرِيحِهَا فَحَكَمَ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ فَحُكْمُهُ لَا يُحِلُّ وَطْأَهَا لَهُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقَدَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ حُكْمَهُ صَيَّرَهَا زَوْجَةً كَالْعَقْدِ وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فَرَفَعَتْهُ وَأَنْكَرَ فَطَلَبَ مِنْهَا الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ فَعَجَزَتْ فَحَكَمَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا نَظَرًا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَكَذَا لَوْ ادَّعَى بِدَيْنٍ عَلَى شَخْصٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الْبَحْثَ عَنْ الْعَدَالَةِ، أَوْ عَجَزَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ تَجْرِيحِهَا أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا، أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَهُ أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ وَفَّيْته لَهُ فَطَلَبَ مِنْهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَجَزَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي: إنَّهُ لَمْ يُوَفِّنِي مَا أَقَرَّ بِهِ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُدَّعِي إذَا كَانَ كَاذِبًا أَنْ يَتَمَلَّكَ هَذَا الدَّيْنَ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الصُّلْحِ " وَلَا يُحِلُّ لِظَالِمٍ " فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُسْتَكْمِلَ لِلشُّرُوطِ الْوَاجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا لِظَالِمٍ كَاذِبٍ فِي دَعْوَاهُ فَالْحَاكِمُ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَهَذَا مِنْ بَدِيهِيَّاتِ الْعُلُومِ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ اعْتِرَاضٌ.،

ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظِ حَكَمْت بَلْ يَكُونُ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ (وَنَقْلُ مِلْكٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ الْمُقَلِّدُ عَنْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ) هَذَا فِي الْمُقَلِّدِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا صَادَفَ حُكْمُهُ قَوْلَ عَالِمٍ وَقَدْ كَانَ قَاصِدًا الْحُكْمَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَأَمَّا إنْ حَكَمَ بِشَيْءٍ غَيْرَ قَاصِدٍ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَصَادَفَ قَوْلَ عَالِمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ الْمَوَّاقِ وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ مُفَوَّضًا لَهُ فِي الْحُكْمِ بِأَيِّ قَوْلٍ قَوِيٍّ مِنْ أَقْوَالِ عُلَمَاءِ مَذْهَبِهِ وَأَمَّا إنْ وُلِّيَ عَلَى الْحُكْمِ بِقَوْلِ عَالِمٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْحُكْمَ بِقَوْلِ عَالِمٍ فَحَكَمَ بِمَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ فَيُنْقَضُ حُكْمُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ. (قَوْلُهُ: وَرَفَعَ الْخِلَافَ) أَيْ رَفَعَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْخِلَافِ فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي فِي جُزْئِيَّةٍ بِفَسْخِ عَقْدٍ لِكَوْنِ مَذْهَبِهِ يَرَاهُ فَالْمُرْتَفِعُ بِحُكْمِهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْخِلَافِ أَيْ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَحْكُمَ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةَ يَصِيرُ الْحُكْمُ فِيهَا عِنْدَ الْمُخَالِفِ مِثْلَ مَا حَكَمَ بِهِ فِيهَا إذْ الْخِلَافُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَوْجُودٌ عَلَى حَالِهِ لَا يَرْتَفِعُ إذْ رَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ عج وَتَلَامِذَتِهِ وَاَلَّذِي فِي الْبِسَاطِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُرْتَفِعَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ نَفْسُ الْخِلَافِ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ الْمَحْكُومَ فِيهَا تَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْخِلَافِ إلَخْ) الْأَوْلَى وَهَذَا فِي الْحُكْمِ الْمُعْتَبَرِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَا قَوِيَ مُدْرَكُهُ وَأَمَّا مَا ضَعُفَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: فَيُنْقَضُ الْأَنْسَبُ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ) أَيْ شَافِعِيٌّ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهُ) أَيْ وَلَا يَرْفَعُ خِلَافًا لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقَاعِدَةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا.

(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَرَى الْبَحْثَ عَنْ الْعَدَالَةِ كَالْحَنَفِيِّ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ وَالتَّجْرِيحَ عِنْدَهُ مَنْدُوبَانِ لَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: فَرَفَعَتْهُ) أَيْ لِلْقَاضِي مُدَّعِيَةً عَلَيْهِ أَنَّهُ أَبَانَهَا فَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ مِنْ أَصْلِهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ ادَّعَى بِدَيْنٍ عَلَى شَخْصٍ) أَيْ وَفِي الْوَاقِعِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ) فِيهِ مَيْلٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبِسَاطِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا لِظَالِمٍ) أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهُ - وَهُوَ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِمَا ادَّعَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ، وَغَيْرُهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ - فَيُحِلُّ لَهُ الْحَرَامَ لِرَفْعِهِ الْخِلَافَ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَنَاقُضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ حُكْمُهُ الْخِلَافَ كَانَ مُحِلًّا لِلْحَرَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ نِكَاحِ مَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ حُكْمُهُ رَافِعًا لِلْخِلَافِ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَالِكِيِّ نَقْضُ هَذَا الْحُكْمِ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ وَيَجُوزُ لِذَلِكَ الزَّوْجِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَلَوْ مَالِكِيًّا وَطْؤُهَا وَعَدَمُ مُفَارَقَتِهَا فَقَدْ رَفَعَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافَ وَأَحَلَّ الْحَرَامَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَكَذَا

الصفحة 156