كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(بَلْ إنْ تَجَدَّدَ) الْمُمَاثِلُ (فَالِاجْتِهَادُ) مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ أَيْضًا فَإِنْ تَجَدَّدَ مُمَاثِلٌ حَكَمَ بِمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ أَوْ لَا لِحُكْمِهِ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ دَائِمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ فِي الْمَذْهَبِ فَلَهُ مُخَالَفَةُ الْأَوَّلِ إنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مُقَابِلُهُ (كَفَسْخٍ) لِنِكَاحٍ (بِرَضْعِ كَبِيرٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ، وَالْكَبِيرُ مَنْ زَادَ عُمْرُهُ عَلَى حَوْلَيْنِ وَشَهْرَيْنِ فَلَوْ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ كَبِيرًا فَرُفِعَ لِمَنْ يَرَى التَّحْرِيمَ بِرَضْعِ الْكَبِيرِ فَفَسَخَهُ فَلَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلِهِ فَإِنْ تَجَدَّدَ فَالِاجْتِهَادُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَ) كَفَسْخِ نِكَاحٍ بِ (تَأْبِيدِ) حُرْمَةِ نِكَاحِ مَنْكُوحَةِ (عِدَّةٍ) أَيْ حَكَمَ بِفَسْخِ عَقْدِهِ فِي الْعِدَّةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يُؤَبِّدُ التَّحْرِيمَ فَحُكْمُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِحَيْثُ يَحْكُمُ فِيهِمَا بِالصِّحَّةِ وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ الْحُكْمُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (كَغَيْرِهَا) مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا فَسْخٌ بِسَبَبِ رَضَاعٍ فِي الْأُولَى وَلَا بِسَبَبِ عَقْدٍ فِي الْعِدَّةِ فِي الثَّانِيَةِ (فِي الْمُسْتَقْبَلِ) فَلَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِمَنْ فَسَخَ نِكَاحَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ حَيْثُ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ حَكَمَ بِالتَّأْبِيدِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فَلَا تَكُونُ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

(وَلَا يَدْعُو) الْقَاضِي (لِصُلْحٍ) بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ (إنْ ظَهَرَ وَجْهٌ) أَيْ وَجْهُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ الْمُعْتَبَرَيْنِ شَرْعًا إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا كَذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ، أَوْ خَشْيَةَ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ كَمَا مَرَّ.

(وَلَا يَسْتَنِدُ) فِي حُكْمِهِ (لِعِلْمِهِ) فِي الْحَادِثَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، أَوْ الْإِقْرَارِ (إلَّا فِي التَّعْدِيلِ) لِشَاهِدٍ فَيَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِ وَلَكِنْ يَقْبَلُ فِيهِ تَجْرِيحَ مَنْ جَرَّحَ؛ لِأَنَّ التَّجْرِيحَ يُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ (وَالْجَرْحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ التَّجْرِيحِ فَعِلْمُهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ الْمُعَدِّلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَلْ إنْ تَجَدَّدَ الْمُمَاثِلُ فَالِاجْتِهَادُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ فِي مَسْأَلَةٍ بِشَيْءٍ مَانِعًا لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِخِلَافِهِ فِي نَظِيرَتِهَا نَعَمْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ إذَا رُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ النَّازِلَةُ الَّتِي حَكَمَ الْأَوَّلُ فِيهَا بِعَيْنِهَا أَنْ يَنْقُضَهَا. (قَوْلُهُ: فَلَهُ مُخَالَفَةُ الْأَوَّلِ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْمُتَجَدِّدِ الْمُمَاثِلِ بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: إنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مُقَابِلُهُ أَيْ مُقَابِلُ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: كَفَسْخٍ إلَخْ) هَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِلْمُتَجَدِّدِ الْمُعَرَّضِ لِلِاجْتِهَادِ أَيْ كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِسَبَبِ رَضْعِ كَبِيرٍ، وَصُورَتُهَا رَجُلٌ رَضَعَ مَعَ امْرَأَةٍ وَهُمَا كَبِيرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا كَبِيرٌ وَالْآخَرُ صَغِيرٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، أَوْ رَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ وَهُوَ كَبِيرٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِبِنْتِهَا فَحَكَمَ قَاضٍ بِفَسْخِ نِكَاحِهِمَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ الثَّانِي لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ حَيْثُ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى نَشْرَ الْحُرْمَةِ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ فَيَحْكُمُ بِتَقْرِيرِ هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ النِّكَاحِ الَّذِي حُكِمَ بِفَسْخِهِ؛ إذْ هُمَا نِكَاحَانِ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ فَسْخِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِمَنْ يَرَى أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ فَيَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلِهِ) أَيْ فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِفَسْخٍ لِمُمَاثِلِ ذَلِكَ النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَ لِشَخْصٍ آخَرَ، أَوْ لِلْأَوَّلِ كَمَا مَثَّلْنَا. (قَوْلُهُ: وَتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ) صُورَتُهَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا فَفَسَخَ الْقَاضِي نِكَاحَهُمَا لِكَوْنِهِ يَرَى تَأْبِيدَ الْحُرْمَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّأْبِيدِ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ذَلِكَ الزَّوْجُ ثَانِيَةً فَلِلْحَاكِمِ الْأَوَّلِ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَرَأَى عَدَمَ التَّأْبِيدِ وَلِغَيْرِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ أَنْ يُقِرَّ هَذَا النِّكَاحَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِفَسْخِهِ إنَّمَا هُوَ لِفَسَادِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالتَّأْبِيدِ فَإِنْ حَكَمَ الْأَوَّلُ بِالْفَسْخِ وَالتَّأْبِيدِ مَعًا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُ هَذَا النِّكَاحِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ مُحَرِّمٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ النِّكَاحِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ) أَيْ وَهُوَ الرَّضَاعُ فِي الْأُولَى وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ فِي الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ هُوَ) أَيْ تَأْبِيدُ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ غَالِبًا مِنْ حَطِيطَةٍ فَالْأَمْرُ بِهِ فِيهِ تَضْيِيعٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحَقِّ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحَقِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْحَقِّ بِأَنْ أَشْكَلَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَدْعُو لَهُ، وَإِشْكَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ عَدَمُ وِجْدَانِ أَصْلٍ لِلنَّازِلَةِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، الثَّانِي أَنْ يَشُكَّ هَلْ هِيَ مِنْ أَصْلِ كَذَا أَمْ لَا، الثَّالِثُ أَنْ يَجِدَ فِي النَّازِلَةِ قَوْلَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ دُونَ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ) أَيْ لِلصُّلْحِ وَجْهًا كَكَوْنِهِ بَيْنَ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ، أَوْ خَشْيَةَ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَنِدُ) أَيْ الْقَاضِي وَلَوْ مُجْتَهِدًا. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ) أَيْ وَإِلَّا فِي تَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ بِمَجْلِسِهِ، أَوْ عَلَى مُفْتٍ، أَوْ شَاهِدٍ، أَوْ عَلَى خَصْمِهِ وَمَنْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ، أَوْ كَذِبُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَقْبَلُ فِيهِ تَجْرِيحَ مَنْ جَرَّحَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْقَاضِي فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَعِلْمُهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ الْمُعَدِّلَةِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ بِهِ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّعْدِيلِ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَا بَيْنَ عِلْمِهِ بِجُرْحَتِهِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِتَعْدِيلِهِ فَتَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَّبِعُ عِلْمَهُ فَإِذَا عَلِمَ عَدَالَةَ شَاهِدٍ تَبِعَ عِلْمَهُ وَلَا يَحْتَاجُ لِطَلَبِ تَزْكِيَتِهِ مَا لَمْ يُجَرِّحْهُ أَحَدٌ وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ

الصفحة 158