كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(حَافَّتَيْ نَهَرِك لِيَبْنِيَ) عَلَيْهِمَا الْمُسْتَأْجِرُ (بَيْتًا) وَيَصِيرَ النَّهْرُ تَحْتَ سَقْفِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ.

(وَ) جَازَ اسْتِئْجَارُ (طَرِيقٍ فِي دَارٍ) لِلْمُرُورِ فِيهَا لِحَاجَةٍ.

(وَ) جَازَ اسْتِئْجَارُ (مَسِيلِ) أَيْ مَوْضِعِ سَيْلَانِ (مَصَبِّ مِرْحَاضٍ) أَيْ مَصْبُوبٍ أَيْ مَا يَنْصَبُّ مِنْ الْفَضَلَاتِ فَالْمَسِيلُ اسْمُ مَكَان، وَهُوَ الْمُجْرَاةُ وَالْمَصَبُّ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَالْمِرْحَاضُ مَحَلُّ الرَّحْضِ أَيْ الطَّرْحِ كَالْكَنِيفِ أَيْ مَحَلِّ جَرَيَانِ مَا يَسِيلُ مِنْ الْأَكْنِفَةِ أَوْ مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ ذَلِكَ الْجَارِي مِنْ الْأَكْنِفَةِ وَنَحْوِهَا (لَا مِيزَابٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَاءِ مِيزَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ، وَلَا يَكُونُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمِيزَابُ (لِمَنْزِلِك) بِأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَك فَتَسْتَأْجِرُ مَسِيلَهُ مِنْ أَرْضِ جَارِك لِيَجْرِيَ فِيهِ مَا نَزَلَ مِنْهُ (فِي أَرْضِهِ) لِيَخْرُجَ إلَى خَارِجٍ فَيَجُوزُ وَيَكُونُ كَمَسِيلِ مَصَبِّ الْمِرْحَاضِ فَيَا لَيْتَهُ قَالَ، وَمَسِيلِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ أَوْ مِيزَابٍ لَا شِرَاءَ مَائِهِ.

(وَ) جَازَ (كِرَاءُ رَحَى مَاءٍ) أَيْ تَدُورُ بِالْمَاءِ (بِطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِلطَّحْنِ عَلَيْهَا.

(وَ) جَازَتْ الْإِجَارَةُ (عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً) مَثَلًا كَكُلِّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ (أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْحِفْظِ لِجَمِيعِهِ أَوْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، وَأَشَارَ بِأَوْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ إذْ قَدْ يَمْضِي الشَّهْرُ، وَلَا يَحْفَظُ مَا عَيَّنَهُ أَوْ يَحْفَظُهُ فِي أَثْنَائِهِ (وَأَخَذَهَا) الْمُعَلِّمُ أَيْ يَأْخُذُ الْحَذْقَةَ بِمَعْنَى الْإِصْرَافَةِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ كَذَا قِيلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الرَّاكِبِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَوْتِ الدَّابَّةِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهَا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا تُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ لَا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.

(قَوْلُهُ: حَافَّتَيْ نَهْرِك) قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ النَّهْرُ لِغَيْرِك وَلَكِنَّهُ جَارٍ بِأَرْضِك فَلَكَ أَنْ تُكْرِيَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِأَنَّهُمَا لَك، هَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا وَصْفُ الْبِنَاءِ مِنْ حَيْثُ مَا يُبْنَى بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ مَثَلًا مِمَّا يَثْقُلُ أَوْ يَخِفُّ، وَأَمَّا وَصْفُ الْبِنَاءِ مِنْ حَيْثُ عَرْضُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ إذْ قَدْ يَعْرُضُ الْجِدَارُ فَيَضِيقُ مَجْرَى الْمَاءِ بِخِلَافِ بِنَاءٍ فَوْقَ بِنَاءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الْبِنَاءِ مِنْ حَيْثُ مَا يُبْنَى بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ.

(قَوْلُهُ: فِي دَارٍ) أَيْ أَوْ أَرْضٍ فَلَا مَفْهُومَ لِلدَّارِ (قَوْلُهُ: لِحَاجَةٍ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَصَّلَ لِحَاجَةٍ، وَإِلَّا يَتَوَصَّلُ بِهَا لِمَنْفَعَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ أَكَلَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ بَاطِلًا لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِالطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمَحَلَّ الْمُتَوَصِّلَ بِالطَّرِيقِ لَهُ بِحَيْثُ صَارَ لَا نَفْعَ بِالطَّرِيقِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَحَلُّ جَرَيَانِ مَا يَسِيلُ) أَيْ جَازَ اسْتِئْجَارُ مَحَلِّ جَرَيَانِ الْمَاءِ الْمَصْبُوبِ فِي الْأَكْنِفَةِ كَمَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ اسْتِئْجَارِ مُجْرَاةٍ يَسِيلُ فِيهَا مَاءٌ يُصَبُّ مِنْ الْمَرَاحِيضِ وَتُوَصِّلُ إلَى الْخَلِيجِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَجْتَمِعُ) عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ جَرَيَانِ أَيْ أَوْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ ذَلِكَ الْجَارِي كَأَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ أَرْضًا لِأَجْلِ وَضْعِ فَضَلَاتِ الْكَنِيفِ فِيهَا (قَوْلُهُ: لَا مِيزَابٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى مِرْحَاضٍ أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ مَسِيلِ مَصَبِّ مِيزَابٍ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ هُوَ قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْزِلِك، وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِلْجَوَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَسِيلٍ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ مُضَافٌ أَيْ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ مَاءِ مِيزَابٍ أَيْ نَازِلٍ مِنْهُ لِمَنْ يَسْقِي بِهِ زَرْعَهُ مَثَلًا، وَلَا مَعْنَى لِكِرَاءِ ذَلِكَ إلَّا شِرَاؤُهُ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَى الْمَاءَ النَّازِلَ فِيهِ كَ أَشْتَرِي مِنْك الْمَاءَ النَّازِلَ مِنْ مِيزَابِك مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ بِكَذَا أَوْ كَانَ الزَّمَنُ قَصِيرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَمَدُ الطَّوِيلُ لَا يَخْلُو عَنْ مَطَرٍ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ، وَالطَّرِيقَةُ الْمُفَصِّلَةُ بَيْنَ طُولِ الْأَمَدِ فَيَجُوزُ وَقِلَّتِهِ فَيُمْنَعُ ضَعِيفَةٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ لَا الْإِجَارَةِ لَكِنْ ذَكَرَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْزِلِك) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِئْجَارٌ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعٌ.

(قَوْلُهُ: بِطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ) نَصَّ عَلَى جَوَازِ كِرَائِهَا بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَرْضِ وَيَعْمَلُ فِيهَا الطَّعَامُ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ كِرَاءَهَا بِالطَّعَامِ مِنْ قَبِيلِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ أَوْ غَيْرِهِ مَا ضَرَّهُ لِاسْتِفَادَتِهِ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى.
(تَنْبِيهٌ) مَنْ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ شَهْرًا عَلَى أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ قَبْلَ الشَّهْرِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ لَمْ يَجُزْ، وَمِثْلُهُ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ زِرَاعَةٍ مَقِيلًا، وَمَرَاحًا أَوْ شَارِقًا غَارِقًا أَوْ رَيًّا وَشَرَاقِيَا تَحَيُّلًا عَلَى لُزُومِ الْأُجْرَةِ إذَا شَرِقَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَتَكُونُ فَاسِدَةً.

(قَوْلُهُ: عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً) أَيْ أَوْ وَجِيبَةً وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ عُطِفَ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُشَاهَرَةِ وَالْحِذَاقِ كَ أَسْتَأْجِرُك عَلَى تَحْفِيظِهِ رُبُعَ الْقُرْآنِ الْفَوْقَانِيَّ أَوْ التَّحْتَانِيَّ فِي شَهْرٍ بِكَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمَ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا تَسَاوَى الْحِذَاقُ وَالزَّمَنُ أَوْ زَادَ الزَّمَنُ أَوْ الْعَكْسُ وَاَلَّذِي فِي بْن أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحِذَاقِ وَالزَّمَنِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّمَنِ وَالْعَمَلِ مِنْ طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ) أَيْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحِذَاقَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْحِفْظِ، وَأَعَادَ الضَّمِيرَ إلَيْهِ ثَانِيًا فِي قَوْلِهِ أَخَذَهَا لِلْحِذَاقَةِ بِمَعْنَى الصِّرَافَةِ

الصفحة 16