كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(كَالْإِقْرَارِ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ وَيُعَدُّ إقْرَارًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَفَعَ مَكْتُوبًا لِرَجُلَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: اشْهَدَا عَلَى أَنَّ مَا فِيهِ خَطِّي فَإِذَا فِيهِ: عِنْدِي وَفِي ذِمَّتِي لِفُلَانٍ كَذَا فَيُعْمَلُ بِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُمَا اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ.

(وَمَيَّزَ) الْقَاضِي وُجُوبًا (فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْإِنْهَاءِ (مَا يَتَمَيَّزُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِهِ) (مِنْ اسْمٍ وَحِرْفَةٍ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ غَالِبًا كَنَسَبِهِ وَبَلَدِهِ وَطُولِهِ وَقِصَرِهِ وَبَيَاضِهِ وَسَوَادِهِ (فَنَفَّذَهُ) الْقَاضِي (الثَّانِي) الْمُنْهَى إلَيْهِ إذَا كَانَ حُكْمَ الْأَوَّلِ.

(وَبَنَى) عَلَى مَا صَدَرَ مِنْ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَحْكُمْ فَإِذَا كَتَبَ لِلثَّانِي: إنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَامَ عِنْدِي الْبَيِّنَةَ قَالَ الثَّانِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَلَك حُجَّةٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَتَبَ لَهُ بِتَعْدِيلِهَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ بَلْ يُعْذِرُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَتَبَ لَهُ: إنَّهُ أَعْذَرَ إلَيْهِ فَعَجَزَ عَنْ مَدْفَعٍ أَمْضَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَشُبِّهَ فِي التَّنْفِيذِ وَالْبِنَاءِ قَوْلُهُ (كَأَنْ) (نُقِلَ) الْقَاضِي مِنْ خُطَّةٍ (لِخُطَّةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ أَيْ مَرْتَبَةٍ، أَوْ وِلَايَةٍ (أُخْرَى) فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ مَا مَضَى، أَوْ يَبْنِي عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عُزِلَ، ثُمَّ وُلِّيَ فَلَا يَبْنِي بَلْ يَسْتَأْنِفُ، وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ الْأَمْرُ وَالْقَضِيَّةُ، وَبِالْكَسْرِ الْأَرْضُ يَخُطُّهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَيْ يُعَلِّمُ عَلَيْهَا عَلَامَةً بِالْخَطِّ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا لِيَبْنِيَهَا وَبَالَغَ عَلَى التَّنْفِيذِ وَالْبِنَاءِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُنْهَى بِهِ (حَدًّا) كَمَا يَكُونُ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ (إنْ كَانَ) الْقَاضِي الْمُرْسِلُ (أَهْلًا) لِلْقَضَاءِ بِأَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ (أَوْ) كَانَ (قَاضِيَ مِصْرٍ) مِنْ الْأَمْصَارِ أَيْ بَلَدِ كَبِيرٍ كَمِصْرِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَالْأَنْدَلُسِ؛ لِأَنَّ قُضَاةَ الْأَمْصَارِ مَظِنَّةُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ.

(وَإِلَّا) يَكُنْ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ - أَيْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ - وَلَا قَاضِيَ مِصْرٍ (فَلَا) يُنَفِّذُ الْمُنْهَى إلَيْهِ كِتَابَ الْأَوَّلِ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ بَلْ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فَهَذَا الشَّرْطُ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ فَنَفَّذَهُ الثَّانِي إلَخْ لَا فِيمَا بَعْدَ الْكَافِ وَشُبِّهَ بِقَوْلِهِ " وَإِلَّا فَلَا " قَوْلُهُ (كَأَنْ شَارَكَهُ) أَيْ شَارَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْأَوَّلِ (غَيْرَهُ) فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَفِي نَعْتِهِ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ لَا يُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِنْ) كَانَ الْمُشَارِكُ (مَيِّتًا) مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.

(وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ) الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِهِ الْمُمَيِّزَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ (فَفِي إعْدَائِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ تَسْلِيطِ الْقَاضِي الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُدَّعِيَ عَلَى صَاحِبِ ذَلِكَ الِاسْمِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الطَّالِبَ لَا يَطْلُبُ غَيْرَ غَرِيمِهِ وَعَلَى صَاحِبِ الِاسْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ حُكْمِي. (قَوْلُهُ: كَالْإِقْرَارِ) أَيْ كَمَا تُفِيدُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ كَاتِبِ وَثِيقَةٍ قَالَ لِرَجُلَيْنِ اشْهَدَا بِأَنَّ مَا فِيهَا خَطِّي، أَوْ بِأَنَّ مَا فِيهَا فِي ذِمَّتِي. (قَوْلُهُ: فَيُعْمَلُ بِهِ) أَيْ فَيُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا بِهِ وَلَهُمَا طَرِيقَتَانِ فِي صِفَةِ تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَا عَلَى نَحْوِ مَا سَمِعَا وَإِمَّا أَنْ يُقْرَأَ الْمَكْتُوبُ وَيُؤَدِّيَا نَحْوَ مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَيَّزَ الْقَاضِي) أَيْ الْمُنْهِي. (قَوْلُهُ: مِنْ اسْمٍ) أَيْ لَهُ وَلِأَبِيهِ وَلِجَدِّهِ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ فَإِنْ اُشْتُهِرَ بِاسْمِهِ فَقَطْ أَوْ كُنْيَتِهِ فَقَطْ كَفَى كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، أَوْ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، أَوْ أَبِي زَيْدٍ. (قَوْلُهُ: فَنَفَّذَهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِمَعْنَى أَمْضَاهُ أَيْ فَإِذَا وَصَلَ كِتَابُ الْقَاضِي الْمُنْهِي مَعَ الشُّهُودِ لِلْمُنْهَى إلَيْهِ نَفَّذَ الْحُكْمَ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ حَكَمَ وَبَنَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حَكَمَ وَكَذَا إذَا شَافَهَ الْمُنْهِي الْمُنْهَى إلَيْهِ نَفَّذَهُ وَبَنَى فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارٍ فِي وَجْهَيْ الْإِنْهَاءِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الشَّارِحِ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الثَّانِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَك حُجَّةٌ) الْأَوْلَى فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَأْمُرُهُمْ بِإِعَادَتِهَا وَيَنْظُرُ فِي تَعْدِيلِهِمْ. (قَوْلُهُ: أَمْضَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ) أَيْ أَوْقَعَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى) فَرَضَ ابْنُ سَهْلٍ هَذَا فِيمَنْ نُقِلَ مِنْ أَحْكَامِ الشُّرْطَةِ وَالسُّوقِ إلَى أَحْكَامِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْحُكُومَةِ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ وَأَمَّا مَا فَرَضَهُ فِيهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالَ كَأَنْ نُقِلَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ وَالْبُيُوعِ إلَى الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ عُزِلَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ وَالْبُيُوعِ وَنُقِلَ إلَى الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَتْمِيمُ مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَبْلَ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ عُزِلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ وُلِّيَ عَلَى الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ فَهَذَا لَمْ يُنْقَلْ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى خُطَّتِهِ لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ فِيمَا كَانَ فِيهِ اهـ بْن وَقَدْ يُخْتَارُ الثَّانِي وَيُقَالُ إنَّ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ فَلِذَا حَصَلَ النَّقْلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَذَا أَجَابَ بَعْضُهُمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَفِيمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا فَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ مَرْتَبَةٍ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَقَوْلُهُ: أَوْ وِلَايَةٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَدًّا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْمُنْهَى بِسَبَبِهِ مَالًا بَلْ وَإِنْ كَانَ حَدًّا. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَهْلًا) هَذَا شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ فَنَفَّذَهُ الثَّانِي وَبَنَى.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ. (قَوْلُهُ: كِتَابَ الْأَوَّلِ) الْأَوْلَى حُكْمَ الْأَوَّلِ وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ دُونَ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ) أَيْ بِالْقَاضِي الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ) الْأَوْلَى بَلْ يَسْتَأْنِفُ الدَّعْوَى مِنْ أَوَّلِهَا. (قَوْلُهُ: لَا فِيمَا بَعْدَ الْكَافِ) أَيْ وَهُوَ النَّقْلُ مِنْ خُطَّةٍ لِخُطَّةٍ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ تَارِيخُ الْحَقِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَيِّتِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِيهِ وَلَا نَسَبَهُ وَحِرْفَتَهُ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِهِ الْمُمَيِّزَةِ لَهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ فِي الْبَلَدِ مُتَعَدِّدًا. (قَوْلُهُ: أَيْ تَسْلِيطِ الْقَاضِي الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُدَّعِيَ عَلَى صَاحِبِ ذَلِكَ الِاسْمِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَإِذَا قَبَضَ عَلَيْهِ فَلَا تُقَامُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى بَلْ يُنَفِّذُ الْقَاضِي

الصفحة 161