كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِيهِ (أَوْ لَا) يُعْدِيهِ (حَتَّى يُثْبِتَ) الطَّالِبُ (أَحَدِّيَّتَهُ) أَيْ انْفِرَادَهُ بِهَذَا الِاسْمِ فِي الْبَلَدِ (قَوْلَانِ) مَحَلُّهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُشَارِكٌ مُحَقَّقٌ، وَإِلَّا لَمْ يُعْدِهِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا.

وَلَمَّا كَانَ الْقَاضِي لَهُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ وَكَانَتْ الْغَيْبَةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قَرِيبَةً وَبَعِيدَةً وَمُتَوَسِّطَةً ذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ (وَ) الْغَائِبُ (الْقَرِيبُ) الْغَيْبَةِ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ مَعَ الْأَمْنِ حُكْمُهُ (كَالْحَاضِرِ) فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا، ثُمَّ يَكْتُبُ إلَيْهِ بِالْإِعْذَارِ فِيهَا وَأَنَّهُ إمَّا قَدِمَ أَوْ وَكَّلَ فَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ وَلَا وَكَّلَ حَكَمَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيُبَاعُ عَقَارُهُ وَنَحْوُهُ فِي الدَّيْنِ وَيُعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ وَحُبْسٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.

وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَ) الْغَيْبَةُ (الْبَعِيدَةُ كَإِفْرِيقِيَّةَ) مِنْ مَكَّةَ وَنَحْوِهَا (قُضِيَ عَلَيْهِ) فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا (بِيَمِينِ الْقَضَاءِ) مِنْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ وَلَا أَحَالَهُ الْغَائِبُ بِهِ وَلَا وَكَّلَ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ فِي الْكُلِّ وَلَا الْبَعْضِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تَتَوَجَّهُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَحْبَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَسَمَّى) الْقَاضِي (الشُّهُودَ) وَالْمُعَدِّلِينَ لَهُمْ حَيْثُ يُعْذِرُ فِيهِمْ أَيْ كَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ لِيَجِدَ لَهُ مَدْفَعًا عِنْدَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ، وَالْمُتَوَسِّطَةُ فِي هَذَا كَالْبَعِيدَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْحُكْمَ، أَوْ يَبْنِي عَلَى مَا حَصَلَ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ) أَيْ فَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) الْأَوَّلُ مِنْهُمَا قَوْلُ أَشْهَبَ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي سَمَاعُ زُونَانَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: وَكَانَتْ الْغَيْبَةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ) اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي تِلْكَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَةِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ لَهُ بِهَا مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ، أَوْ حَمِيلٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَلَا حُكْمٌ اهـ عبق. (قَوْلُهُ: كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ) أَيْ وَمَا قَارَبَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إمَّا قَدِمَ) أَيْ إمَّا إنْ يَقْدَمَ لِإِبْدَاءِ الْمَطْعَنِ فِي الْبَيِّنَةِ، أَوْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُعَجِّزُهُ) أَيْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ إذَا قَدِمَ وَهَذَا هُوَ مَا فِي الْمَوَّاقِ وَالتَّوْضِيحِ وَأَمَّا قَوْلُ خش " إنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ " فَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ مِنْ دَيْنٍ وَعَرَضٍ وَعَقَارٍ وَحَيَوَانٍ. (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ وَعِتْقٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ.

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ) أَيْ لِلْغَيْبَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: بِيَمِينِ الْقَضَاءِ) سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي تَشْهَدُ بِدَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ كَانَتْ تَشْهَدُ بِأَنَّ الْغَائِبَ أَقَرَّ أَنَّ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ كَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْضِيهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ، أَوْ يُبْرِئُهُ، أَوْ يُحِيلُ شَخْصًا عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي بْن خِلَافًا لعبق حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ) أَيْ وَلَا قَبَضَهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَاجِبَةٌ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ وَقِيلَ إنَّهَا اسْتِظْهَارٌ أَيْ مُقَوِّيَةٌ لِلْحُكْمِ فَقَطْ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِدُونِهَا عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْيَمِينُ تَتَوَجَّهُ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَيِّتِ) أَيْ وَالْحُكْمِ عَلَى الْمَيِّتِ كَمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَيْهِ أَنَّ عِنْدَهُ كَذَا دَيْنًا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ وَلَمْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ بِهِ أَصْلًا فَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُدَّعِي بِهَذَا الدَّيْنِ إلَّا إذَا حَلَفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ وَرَثَتُهُ الْكِبَارُ فَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَأَمَّا إذَا حَصَلَ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ وَرَضُوا بِعَدَمِ حَلِفِهِ فَهَلْ كَذَلِكَ لَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، أَوْ لَا؟ اخْتِلَافٌ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ.
(قَوْلُهُ: وَالْيَتِيمِ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ، أَوْ غَصَبَ، أَوْ أَتْلَفَ مَا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى مَالِهِ بِمَا أَنْفَقَ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَمِثْلُ الْيَتِيمِ الصَّغِيرُ وَالسَّفِيهُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسَاكِينُ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ أَنَّ مَا حَبَّسَهُ فُلَانٌ عَلَيْهِمْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَحْبَاسِ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى دَارٍ مَثَلًا بِيَدِ جَمَاعَةٍ - يَدَّعُونَ أَنَّهَا حَبْسٌ - أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَتِمَّ الْحُكْمُ لَهُ بِهَا. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ كَالْحُكْمِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ عَلَى مَنْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مُعْدِمٌ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ الَّذِي مَاتَ وَوُضِعَ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِظَنِّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ مَعَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذَا الْجَمَلَ مَثَلًا مِلْكُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَلَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَشْتَبِهُ كَثِيرًا بِخِلَافِ الْعَقَارِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَقِيلَ يَحْلِفُ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُعْذِرُ فِيهِمْ) أَيْ لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا الْمَعْرُوفُونَ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَهُ فَلَا يُعْذِرُ فِيهِمْ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَلَا يُسَمَّوْنَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ وَلَا يُقْبَلُ طَعْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِمْ إذَا قَدِمَ وَسُمُّوا لَهُ. (قَوْلُهُ: لِيَجِدَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَائِبُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَاقٍ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا أَبْدَى مَطْعَنًا فِي تِلْكَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ قُدُومِهِ نُقِضَ الْحُكْمُ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَسِّطَةُ فِي هَذَا) أَيْ فِي تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ وَالْمُعَدِّلِينَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَدِمَ، وَالْإِعْذَارِ إلَيْهِ فِيهِمْ كَالْبَعِيدَةِ أَيْ

الصفحة 162