كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(وَدِبَاغَةٍ وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا) أَيْ لَا لِضَرُورَةِ مَعَاشٍ وَإِلَّا لَمْ يُخِلَّا بِالْمُرُوءَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَنْ أَهْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ وَقَدْ تَكُونُ الْحِيَاكَةُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ مِنْ الْحِرَفِ الشَّرِيفَةِ وَأَمَّا الْخِيَاطَةُ فَهِيَ مِنْ الْحِرَفِ الرَّفِيعَةِ وَمِثْلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْحِجَامَةُ (وَإِدَامَةِ) لَعِبِ (شِطْرَنْجٍ) لِأَنَّهُ مِنْ صَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهِ وَإِدَامَتُهُ تَكَرُّرُهُ فِي السَّنَةِ

(وَإِنْ) كَانَ (أَعْمَى) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (فِي قَوْلٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ (أَوْ أَصَمَّ) غَيْرَ أَعْمَى (فِي فِعْلٍ) لَا قَوْلٍ وَأَمَّا الْأَعْمَى الْأَصَمُّ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُعَامَلُ (لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ) الْغَفْلَةُ ضِدُّ الْفَطَانَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْ لَا لَا بِغَيْرِ عُرْسٍ وَصَنِيعٍ فَيُمْنَعُ إنْ تَكَرَّرَ سَوَاءٌ كَانَ بِآلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِعْلًا وَسَمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كُرِهَ سَمَاعًا وَهَلْ كَذَا فِعْلًا أَوْ يُمْنَعُ خِلَافٌ اهـ.
وَلَكِنْ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ مَتَى كَانَ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى قَبِيحٍ أَوْ كَانَ بِآلَةٍ كَانَ حَرَامًا سَوَاءٌ كَانَ بِعُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا تَكَرَّرَ أَمْ لَا فِعْلًا أَوْ سَمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِقَبِيحٍ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ بِآلَةٍ فَالْكَرَاهَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِعُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا تَكَرَّرَ أَمْ لَا فِعْلًا أَوْ سَمَاعًا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ إذَا تَكَرَّرَ فِي السَّنَةِ كَانَ بِآلَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا عَلَى مَا لِلْمَوَّاقِ وَفِي بْن عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمَاعُ الْعُودِ جُرْحَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَنِيعٍ لَا شُرْبَ فِيهِ فَلَا يُجْرَحُ وَإِنْ كُرِهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَدِبَاغَةٍ وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَهُمَا فِي مَعَاشِهِ أَيْ وَكَانَ فِي بَلَدٍ يَزْرِيَانِ بِفَاعِلِهِمَا فِيهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِمَا فَالْقَدْحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالدِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ مُقَيَّدٌ بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَادِحَةً.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخِيَاطَةُ فَهِيَ مِنْ الْحِرَفِ الرَّفِيعَةِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَصَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ لِحَدِيثٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرَدَ فِيهِ مَدْحِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَمَدْحِ صِنَاعَةِ الْغَزْلِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا وَلَفْظُهُ «عَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنْ الرِّجَالِ الْخِيَاطَةُ وَعَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنْ النِّسَاءِ الْغَزْلُ» (قَوْلُهُ الْحِجَامَةُ) أَيْ لِإِخْلَالِهَا بِالْمُرُوءَةِ لَكِنْ لَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الدِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ قَادِحَةً فِي الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ شِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحُ أَوَّلِهِ مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ كَمَا قَالَ ابْنُ جِنِّي وَيُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ لِأَنَّهُ إمَّا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ أَوْ مِنْ التَّسْطِيرِ اهـ بْن لَكِنْ الَّذِي فِي الْغَرَرِ وَالدُّرَرِ لِلْوَطْوَاطِ أَنَّ شِطْرَنْجَ مُعَرَّبُ ششرنك وَمَعْنَاهُ سِتَّةُ أَلْوَانٍ الشَّاةُ وَالْفَرْزُ وَالْفِيلُ وَالْفَرَسُ وَالرُّخُّ وَالْبَيْدَقُ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَلَا مِنْ التَّسْطِيرِ بِالْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَ بْن اهـ.
مج ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَعِبَهُ غَيْرُ حَرَامٍ لِجَعْلِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَا لَا يَلِيقُ مَعَ تَقْيِيدِهِ بِالْإِدَامَةِ وَيُوَافِقُهُ تَصْحِيحُ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ الْمَذْهَبُ أَنَّ لَعِبَهُ حَرَامٌ وَفِي ح قَوْلٌ بِجَوَازِ لَعِبِهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ نَظِيرِهِ لَا مَعَ الْأَوْبَاشِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِلُعْبَةٍ لَكِنْ عِنْدَ الْإِدَامَةِ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى اللَّعِبِ بِهَا جُرْحَةٌ وَقَدْ قِيلَ الْإِدْمَانُ أَنْ يَلْعَبَ بِهَا فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْإِدْمَانُ فِي الشِّطْرَنْجِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ النَّرْدِ وَالطَّابِ وَالسِّيجَةِ وَالْمِنْقَلَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي إبَاحَتِهِ إذْ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْعَبُونَهُ

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْمَى) أَيْ هَذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ بِمَا ذُكِرَ غَيْرَ أَعْمَى بَلْ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَمْ لَا لِضَبْطِهِ الْأَقْوَالَ بِسَمْعِهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا مُطْلَقًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهَا بِمَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ قَبْلَ الْعَمَى وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْمَرْئِيَّةُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ عَلِمَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَمْ لَا كَمَا قَالَ طفى وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِالْفِعْلِ إنْ عَلِمَهُ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ يُحْبَسُ كَمَا فِي الزِّنَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي المج وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَوْلِ بَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا عَدَا الْمَرْئِيَّاتِ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَذُوقَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَلْمُوسَ وَالْمَذُوقَ وَالْمَشْمُومَ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَعْمَى وَغَيْرُهُ فَهِيَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَسْمُوعَاتُ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيِّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ فِيمَا تَحَمَّلَهُ بَعْدَ الْعَمَى.
(قَوْلُهُ أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصَمَّ غَيْرُ الْأَعْمَى يَضْبِطُ الْأَفْعَالَ بِبَصَرِهِ دُونَ الْأَقْوَالِ لِتَوَقُّفِ ضَبْطِهَا عَلَى السَّمْعِ وَهُوَ مَعْدُومٌ مِنْهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ مَا لَمْ

الصفحة 167